وكان منصوراً لم يشهد حرباً إلا وكان الظفر له، ثم أمره مولاه ملكشاه سنة ٤٧٧ أن يذهب مع فخر الدولة بن جهير لضبط الموصل، وبينما كان مسلم بن قريش محصوراً في آمد، راسله أُرُتق وأخذ
منه مالاً وافراً وفتح له طريقاً سار منه، فأنهى ابن جهير ذلك إلى ملكشاه فخاف أُرُتق وذهب إلى دمشق والتحق بصاحبها تاج الدولة تتش، وعاونه على الاستيلاء على حلب، وساعده في كثير من المواقف، فأقطعه فلسطين، أخذها من أصحاب أتسز أرتق الخوارزمي ٥٨٤. فلما توفي صارت القدس وعملها لولديه ايلغازي وسقمان ابني أُرتق، حتى خرج عسكر خليفة مصر فاستولوا على القدس بالأمان في سنة ٤٨٩ بعد أن بقيت في حكم الأرتقية ثلاث عشرة سنة وأياماُ. وسار سقمان وأخوه إيلغازي من القدس فاجتاز سقمان بدمشق وكان صاحبها متغيباً عنها فقاتله أهلها ومن فيها من الأجناد.
وفي سنة ٤٩٠ برز الملك رضوان صاحب حلب وياغي سيان صاحب إنطاكية إلى ناحية شيزر وعزما على معاودة دمشق لفتحها، فوقع الخلف بين مقدمي العسكر فرجع ملك حلب، وورد عليه كتاب المستعلي بالله الفاطمي يريده على الدخول في طاعته، وإقامة الدعوة لدولته، وكذلك كتاب الأفضل يتضمن مثل ذلك، فأجابهما إلى ما التمساه وأمر أن يدعى للمستعلي على المنبر وللأفضل بعده، ثم يدعى له بعدهما، ودامت الخطبة على ذلك أربع جمع. وكان الملك رضوان قد بنى الأمر في ذلك على الاجتماع مع العسكر المصري والنزول على دمشق لأخذها من أخيه الملك دقاق. فأنكر سقمان بن أرتق وياغي سيان على الملك الدخول في الأمر، واستبدعاه من فعله، وأشارا عليه بإبطاله واطراح العمل به، فقبل ما أشير عليه وأعاد الخطب إلى ما كانت عليه أي للعباسيين. وجرى الاتفاق على أن يخطب في دمشق لرضوان قبل أخيه دقاق، وذلك بعد أن يخطب للخليفة ثم للسلطان، وفي هذه السنة خرج العسكر من مصر ونزل على صور بعصيان واليه المعروف بالكتيلة، ولم يزل منازلها إلى أن فتحها بالسيف قهراً وقتل فيها خلق كثير، ونهب منها المال الجزيل، وأخذ الوالي فقتل.