النفوس من هيبته، فولاه ميافارقين وديار بكر وهي أول ولايته؛ وسلم إليه ولده شمس الملوك دقاق واعتمد عليه في تربيته وكفالته، فساس أمرها بالهيبة والتدبير، وأصلح فاسدها وقوّم منآدها.
قال: وتنقلت به الأحوال إلى أن توجه مع تاج الدولة إلى الري وشهد الوقعة التي استشهد فيها تاج الدولة، وحصل في قبضة الاعتقال مع من أُسر من المقدمين،
وأقام مدة إلى أن أفرج عنه ٤٨٨ فتلقاه شمس الدولة دُقاق بدمشق وعسكره وأرباب دولته، وبولغ في إكرامه واحترامه، ورد إليه النظر في قيادة الجند، واعتمد عليه في تدبير المملكة، وسياسة البيضة، واقتضت الحال فيما بينه وبين الملك وأمراء الدولة العمل على الأمير ساوتكين والإيقاع به، وتمم عليه الأمر وقتل، وعقدت الوصلة بينه وبين ظهير الدين أتابك وبين الخاتون صفوة الملك والدة شمس الملوك دقاق ودخل بها، واستقامت له الحال بدمشق وأحسن السيرة فيها، وأجمل في تدبير أهليها، وسكنت نفس شمس الملوك إليه اه.
فانظر إلى غرائب التوفيق في الأرض كيف ينشأ مملوك، ربما كانت يد النخاس مرت على رأسه، يكفل ابن السلطان ويربيه ويتزوج بأمه ويتصرف في ملكه ويدبر أمره، ثم يصبح بتجاربه وعقله ملكاً ترغب الملوك في التقرب منه، ويخاف العدى بأسه وسطوته، ويظهر في مظهر من طيب الأخلاق لا يضاهيه من تسلسل فيهم الحكم والملك، وتنقلوا في السلطان كابراً عن كابر، لكن هي التربية إذا حسنت أتى صاحبها بالعجائب، والنفوس إذا صفت جبل الخلق على حبها، والإرادات متى سلمت استمات الناس دونها، وبهذا كان الناس ولا يزالون يحكم كبارهم صغارهم، ويصبح المملوك ملكاً مطاعاً والمسود الخامل سيداً نابهاً، وكم من عصامي أفلح، ومن عظامي أخفق.
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه خَلَق وجيب قميصه مرقوع
ومن المماليك حكموا في الشام فأصبحوا ملوكاً في هذا الدور أيضاً بنو أُرْتُق، نسبةً لجدهم أُرتق بن أكسك وقيل أكسب التركماني ومن مماليك ملكشاه بن آلب أرسلان. تغلب أُرتق على حلوان والجبل