ميسنون وقوي عزمه على فتح دمشق لما بلغه أن الملك فر منها إلى مصر، فأرسل تيمورلنك إلى نائب دمشق رسولاً من قبله فقتله قبل أن يسمع كلامه. جرى في ذلك على ما جرى عليه نائب حلب فزاد تيمورلنك حنقاً. ومن الغريب أن نائبي حلب ودمشق لم يقدرا قوة تيمورلنك حق قدرها وهي منهما على قيد غلوة وظنا أنهما باعتصامهما في قلعتي المدينة، وبالقليل ممن عندهما من العسكر وأحداث البلدين يستطيعان أن يتغلبا على جيوش تيمورلنك المؤلفة كما قال عربشاه: من رجال توران، وأبطال إيران، ونمور تركستان، وفهود بلخشان،
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا
مع ما أضيف إليهم من أعيار الخدم، وفواعل التراكمة والأوباش والحشم، وكلاب النهاب من رعاع العرب وهمج العجم، وحثالة عباد الإنسان، وأنجاس مجوس الأمم، ما لا يكتنفه ديوان، ولا يحيط به دفتر حسبان اه.
غلطة ارتكبها نائب دمشق المغرور بقوة سلطانه ومن معه من المتعصبة والمتلصصة وأرباب الدعارة من الشطار والأحداث الأغيار، قضت على أعظم مدينة في الأرض كانت في غابر الأيام. كان بين أهل دمشق وبين عسكر تيمورلنك في أول يوم واقعة فقتل من عسكر تيمورلنك نحو ألفي إنسان، فأرسل يطلب من أعيان دمشق رجلاً من عقلائهم، يمشي بينه وبين أهل دمشق في الصلح، فلما أتى قاصد تيمورلنك بهذه الرسالة اشتور أهل دمشق فيمن يرسلونه فوقع الاختيار أن يرسلوا القاضي تقي الدين بن مفلح الحنبلي، فإنه كان إنساناً طلق اللسان يعرف بالتركي وباللسان العجمي، فأرخوه من أعلى السور بسرياق ضخم، ومعه خمسة أنفس من أعيان دمشق، فغاب عند