فرنسا، ومنها انتقل إلى جميع أوربا، فلدمشق على فرنسا بل على المدنية بأسرها الفضل الأول في تعليم هذه الصناعة للغربيين، وناهيك بأنها أهم صناعة نشرت العلم والأفكار في العالم. وقد حمل الشاميون الوراقة إلى الأندلس وصقلية في جملة ما حملوه من صناعتهم، على نحو ما حملوها إلى شمالي إفريقية. وكانت شاطبة من مدن الأندلس تصدر منذ سنة ١٠٠٩م الورق بكثرة ويحمل منها إلى سائر أرض الأندلس.
وكان الورق يصنع أشكالاً في مكابس صغيرة، ويعمل من الخروق البالية أو الحرير واستبدل ورق القطن الذي منه الورق الدمشقي بالحرير في سنة ٧٠٦م رجل اسمه يوسف بن عمرو، ولا يزال في خزانة دار الكتب العربية بدمشق كتاب كتب سنة ٢٦٦ هـ على ورق يظن أنه من الورق الشامي وهو أقدم مخطوط عرف بالشام ولا يزال على متانته. وقال الرحالة ناصر خسرو: إن الكاغد الجيد الذي كان يصنع في طرابلس يشبه ورق سمر قند إلا أنه أحسن صنعاً. وذكر القلقشندي
أن الورق المعروف بورق الطير، أي الورق الذي تكتب به البطائق وتعلق في أجنحة حمام الزاجل، وهو صنف من الورق الشامي رقيق للغاية وفيه تكتب ملطفات الكتب وبطائق الحمام. وهذا هو الورق الرقيق، والورق القديم أشبه بالبُردي أو الرقوق بمتانته. ولا نعلم في أي زمن انقرضت هذه الصناعة. وحدثني أحد علماء حلب أن الورق كان يصنع في الشهباء وأن حياً من أحيائها لا يزال اسمه الوَرّاقة حيث كانت معامل الورق. والورق الحلبي الصقيل المتين مشهور إلى عهدنا.
وقد قام في أوائل هذا القرن رجل بيروتي من بيت الباحوط، فأسس معملاً مهماً في أنطلياس على ساحل البحر، وأصدر ورقاً جيداً كورق النمسا وفرنسا، لكن معامل الورق في الغرب أرخصت صادراتها من الورق إلى الشام فاضطر هو أن يُنزل أيضاً ثم خفضت السعر ولم تزل تخفضه، حتى قضت على هذا المعمل النافع في زمن أصبح المجلوب من الورق كل سنة يساوي عشرات الألوف من الدنانير إلى الشام وأصبح الورق حاجة من حاجات المدنية.