اضطهد بطريرك القدس فاستعدى عليه ملك مصر فأعداه فلم يستمع الوالي لذلك واختبأ البطريرك في كنيسة القيامة فهاجمها الوالي وأحرقوا أبوابها وسقطت القبة، وتوجه الرعية إلى كنيسة صهيون وأحرقوها ونهبوها. وهدم اليهود وأخربوا أكثر من المسلمين. وأهم ما نال الكنائس في الشام من الأذى، كان على عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي فإنه لم يبق في مملكته ديراً ولا كنيسة إلا هدمها. ففي سنة ٣٩٨ كتب الحاكم إلى دمشق بهدم كنيسة السيدة القاتوليكية فهدمت، وكتب إلى والي بهدم كنيسة القيامة في القدس وإزالة معالمها والقضاء على آثارها، وهدم الاقرانيون كنيسة ماري قسطنطين وسائر ما اشتملت عليه حدودها واستقصوا في إزالة الآثار المقدسة، وكان في جوار المقبرة دير للنساء يعرف بدير السري فهدم أيضاً. وكان ابتداء نقضها سنة أربعمائة ووضعت اليد على الأملاك والأوقاف وجميع ما في تلك الكنائس من آلاتها وحلاها.
وعاد الحاكم بعد أن ضرب النصارى في كنائسهم في جميع أرجاء مملكته فأعطاهم عهداً كما كان يعطي الخلفاء العادلون ومنها هذا المنشور الذي أورده ابن بطريق:
بسم الله الرحمن الرحيم أمر أمير المؤمنين بكتب هذا المنشور لنيقيفور بطريرك بيت المقدس بما رآه من إجابة رغبته، وأطلق بغيته، من صيانته وحياطته، والذب عنه وعن أهبل الذمة من نحلته، وتمكينهم من صلواتهم على رسومهم في افتراقهم واجتماعهم، وترك الاعتراض لمن يصلي منهم في عرصة الكنيسة المعروفة بالقيامة وخربتها، على اختلاف رأيه ومذهبه، ومفارقته في دينه وعقيدته، وإقامة
ما يلزمه في حدود ديانته، وحفظ المواضع الباقية في قبضته، داخل البلد وخارجه والديارات وبيت لحم ولدّ، وما برسم هذه المواضع من الدور المنضوية إليها، والمنع من نقض المصلبات بها، والاعتراض لأحباسها المطلقة لها، ومن هدم جداراتها وسائر أبنيتها، إحساناً من أمير المؤمنين إليهم، ودفع الأذى عنهم وعن كافتهم، وحفظاً لذمة الإسلام فيهم، فمن قرأه أو قرئ عليه من الأولياء