النظر في العمران، فسمت به همته إلى أن يخرج المساجد من دور التأسيس ويدخلها في مظهر مدني فيه الجلال والجمال. ولم يزل بعثمان حتى أذن له أن يبني المساجد ويكبر ما كان ابتني منها قبل خلافته. وهكذا بدأ التوسع في المساجد والجوامع عقيب استقرار الفتح ورسوخ أقدام بني أمية.
واختط سليمان بن عبد الملك لما ولي جند فلسطين مدينة الرملة واختط المسجد وبناه فولي الخلافة قبل استتمامه ثم بني فيه بعد في خلافته ثم أتمه عمر بن عبد العزيز ونقص من الخطة وقال: أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت بهم عليه. ومعنى هذا أن جوامع القوم ومساجدهم كانت بحسب حاجة من ينزل في كل صقع من المسلمين والتوسع لم يبد إلا مع معاوية بن أبي سفيان وأخلافه.
عرضنا في فصل المصانع لوصف المسجدين الجامعين في هذه الديار المسجد الأقصى وجامع دمشق. ونحن الآن تعرض لغيرهما من المساجد نذكر المهم منها في الحواضر على الأكثر، ونقابل بين قديمها وحديثها، وبديهي أن المساجد لقيت من المصائب السماوية والأرضية ما لقي غيرها من المصانع والعاديات. فإن الزلازل قد نسفت في الإسلام مدناً برمتها فقد تقطع الجبل الأقرع فمات أهل اللاذقية سنة ٢٤٢هـ وخرجت طرابلس منه وفي هذا الزلزال خرب معظم الساحل وزلزلة سنة ٤٦٠ خربت فلسطين وزلزال سنة ٥٥٢ خربت به أمهات المدن الشامية وهكذا يقال في معظم الزلازل التي وقعت بعد إلى القرن الماضي ومن أهمها زلزال سنة ١١٧٣ حتى إن من المدن ما لم يبق فيه جدار قائم ولا إنسان سائر. ومساجد الساحل أصيبت في الحروب الصليبية بما نسفها أو غير معالمها فأصبحت كنائس ثم عادت البلاد لسلطان المسلمين أعيدت بعض البيع أيضاً مساجد.
ومن المتعذر أن نعرف ما قام في كل عصر ومصر في الشام من المساجد والجوامع. ومن القرى اليوم ما كان فيه بالأمس عشرة مساجد والعمران يكثر ويقل بحسب حاجة الناس. والغالب أن العناية ببناء المساجد كان لغرض شريف للغاية بادئ بدء يراد به وجه المولى وثواب الآخرة وخدمة الإسلام والمسلمين. فلما أوغل الناس في مضمار الحضارة كان من البانين من يجمعون