بني العباس فلم يؤثر عنها أنه كان فيها خزانة كتب، ولا عرف أحد من الخاصة بأنه كان مولعاً بجمع الأسفار، فكانت الكتب القليلة التي لهم تجهل في الجوامع أو في بعض دور الخاصة على ما كانت الحال في أكثر المدن الإسلامية.
وإذا وقع التدوين في القرن الأول لم يدخل القرن الثاني حتى كثرت الكتب، وقد ورد في سيرة الزهري المتوفى سنة ١٢٤هـ أنه كان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله مشتغلاً بها عن كل أحد، فقالت له زوجته: والله لهذه المتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر. وهذا دليل على تكاثر المتب حتى صارت للزهري مجموعة منها ينصرف إليها بكليته، وامرأته تريده على أن يكون لها فقط. وكل هذه الكتب لم تبق الأيام عليها. والغرب كان أمهر منا في الاحتفاظ بما دون فإن أقدم كتاب في أوربا يرد إلى القرن الثاني للمسيح.
ولم يعرف قبل عهد الرشيد والمأمون أن جمعت الكتب في خزانة وسميت دار الحكمة أو بيت المعرفة. وكانت دار الحكمة أشبه بجامعة فيها دار كتب يجتمع فيها رجال يتقاضون ويطالعون وينسخون. ويدير شؤون تلك الدور من يثق الخليفة بعقلهم وأمانتهم وعملهم. كان هذا في القرن الثاني واعتوره في القرن
الثالث بعض الفتور، وظل بيت الحكمة في القرنين الرابع والخامس في بغداد مفتح الأبواب. وأنشأ أحد وزراء العباسيين أبو نصر سابور بن أردشير في القرن الخامس داراً بالكرخ في بغداد سماها دار العلم، وقفها على العلماء ونقل إليها كتباً كثيرة وأنشأ الفاطميون في القاهرة دار العلم في القرن الرابع تشبهاً بالعباسيين في بغداد، أنشأها الحاكم العباسي بأمر الله سنة ٤٠٠ وفرشها ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنة شيخين. قال ابن قاضي شهبة: وبقي الحاكم كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق دار العلم. ولم تعهد الشام دار الحكمة إلا في القرن الخامس أنشأها بنو عمار في طرابلس. وكان في كل من كفر طاب والعمرة في زمن أبي العلاء المعري خزانة كتب زارها كما زار خزانة طرابلس. وهذه الخزانة كانت قبل خزانة بني عمار بمدة خلافاً لما وهَم بعض المؤلفين المعاصرين، لأن بني عمار لم يستولوا على طرابلس إلا بعد الأربعين وأربعمائة.