وقد راعى الحكمة فيما خلق وأمر تفضلاً منه ورحمة ولا باعث له على الفضل.
بعثة الأنبياء ممكنة عقلاً وواقعة قطعاً، وفي وقوعها حكمة بالغة ورحمة للعالم شاملة، واحتياج الناس إلى الأنبياء كاحتياجهم إلى الأطباء، النبوة إنما تحصل بمجرد اصطفاء إلهي لا باستحقاق من المبعوث واجتماع شروط فيه، بل الله يختص برحمته من يشاء وهو تعالى اعلم حيث يجعل رسالته، وقد أرسل الله تعالى رسلاً من البشر إلى البشر مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة، وأيدهم بالمعجزات الخارقة للعادات المقرونة بالتحدي، وكلهم جاءوا بتوحيد الله تعالى والنهي على الشرك وإخلاص العبادة له تعالى، وهم صادقون فيما جاءوا به مصونون عن التحريف والتبديل، معصومون من كل نقص حسي أو معنوي مبلغون أممهم جميع ما أمروا بتبليغه، وأولهم آدم وآخرهم نبينا محمد
صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أن الله سبحانه أرسل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كافة بشيراً نذيراً، وجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده وأيده بالمعجزات الباهرة، والبراهين الظاهرة، وانزل عليه القرآن الكريم الذي هو له معجزات باقية إلى يوم الدين، فنسخ بشريعته الشرائع التي كانت قبله إلا ما قرر منها، وفضله على سائر الأنبياء وجعل الشهادة له بالرسالة شطر الإيمان، وألزم الناس تصديقه في جميع ما اخبر به عنه، وأمر بتبليغ ما انزل عليه فقال تعالى:(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) فبلغ صلوات الله وسلامه عليه الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة حتى أتاه اليقين.
إن لله تعالى وملائكة هم عباد الله المكرمون ورسل الله بينه وبين أنبياءه وأمناؤه على وحيه لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لا يوصفون بذكوره ولا انوثه، ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يعلم حقيقتهم ولا عددهم إلا خالقهم، وهم أجسام لطيفة نورانية يروننا ولا نراهم بصورهم الأصلية.
الركن الرابع في السمعيات إن لهذه الدنيا أجلاً محموداً فإذا جاء اجلها يتبدل نظام هذا الكون، فتبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات،