للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأكثر أملتها أهواء الخصماء، ولطالما رأينا الناس إذا أرادوا النيل من أحد العظماء ينخدعون بأقوال

يلفقها عليهم خصومهم، وربما نسبوا لبعضهم الفسق والفجور وأكل الأموال بالباطل، وهم من أكمل الناس أخلاقا وفضلا. إذا سلمنا أن معاوية أخطأ بحسب ما يقوله الفريق المعتدل بتوسيده الخلافة إلى يزيد وفي العرب يومئذ من هم أفضل منه فإنه كان يعتقد أن ابنه يصلح للخلافة وأن قوة الأمة مجتمعة على آل أبي سفيان. والدليل أنه كان إذا عرض لمعاوية مشكلة من المشكلات بعث إلى يزيد يستعين به على استيضاح شبهاتها واستسهال معضلاتها، فلم يكن يزيد إذاً بالصورة التي صورها بها أعداؤه. خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لوده وأنه ليس لما صنعت به أهلاً فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك.

قال الطبري: إن يزيد كان صاحب رَسلة أي كسل وتهاون، وإنه كف عن كثير مما كان يصنع أي لما وسدت إليه الخلافة. وقال غيره: إن يزيد كان يحب الصيد ويربي القرود والكلاب مما عدوه عليه. وهذا لا يقدح في العدالة، بل ربما كان مما يعين على الجهاد لترويضه الجسم والذهن، أما الفسق والفجور فلم يثبت من طريق مؤتمن، فإذا فرضنا أن معاوية أخطأ في إعطائه ولاية العهد لابنه بطرق استعمل فيها بعض الشدة، وأن يزيد ارتكب عماله من قتل آل بيت الرسول أمراً نكراً فلا يجوز من ذلك الطعن بشخصيات كبيرة، والعقل يستبعد التصديق بما قاله خصوم بني أمية عنهم، ولو كان يزيد شريباً خميراً كما يزعمون أو يرتكب أموراً لا تسمح بها الشريعة ولا تليق بشأن الملك، والدين، وأصحاب أصحاب رسول الله أحياء، وأعداؤهم من العلويين بالمرصاد، لقتلته أسرته نفسها، كما فعلت بالوليد بن يزيد بعد ستين سنة من مهلك يزيد بن معاوية. والغالب أن يزيد أدخل في العادات كأبيه أشياء أنكرها بعضهم، ووجدوا السبيل إلى الطعن فيه، وكان تعلمها من عشرته بعض أبناء الروم في الشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>