للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستغني بحال عن تعاطي في كل ساعة فهي نقله وحلواؤه وشرابه المتنعش، وقد يصرف أحدهم ثمن بّن في السنة أكثر مما يصرف على طعامه ولباسه. وأحب الهدايا إلى قلب البدوي

أن تحمل إليه مقداراً من البن. وطعامهم من أسهل الأشياء، مقصور على بعض الألبان والبّر والجريش والأقط والعصيدة، ولباسهم ساذج للغاية وكسوتهم متشابهة: قفطان من القطن، وعباءة خفيفة، وزنار عادي، وكوفية وعقال، ولا يلبسون في الأعم من حالاتهم قمصاناً وصُدَراً وسراويل، وأكثرهم حفاة، ويصطنع كسكان وادي موسى نعالاً من جلود الأباعر ينيطونها بحبال يدخلون فيها أباهِم أرجلهم تعلق بها.

قّل أن تجد في البادية من يقرأ ويكتب، فقد تبلغ العشيرة ألف نسمة ولا تظفر فيها بمن يكتب جملة. ومن العشائر من تستأجر خطيباً من أهل الحضر يكون معها في مشتاها ومصيفها، ويعظم بما يعلم من أمور الدين. وأكثر البادية لا يتطهرون ولا يصلون ولا يصومون ولا يعرفون من الإسلام إلا أن الله واحد وأن محمداً رسوله. ولولا هاتان الكلمتان لقلنا إنهم كعرب الجاهلية حذو القذّة بالقذة وقد تصلي بعض القبائل كالرولة، ولما كان الماء يعوزهم في منتجعاتهم وتنقلاتهم فهم يتيممون صعيداً طيباً، والله يعلم هل يحسن أكثرهم قراءة فاتحة الكتاب، أو يعرفون سوره الصغار. وما كانت هذه العشيرة تصلي من قبل لولا أن لابسها بعض دعاة الشيعة وعلموا كل فريق منهم إقامة الصلوات، ولنقوهم بعض معتقدات التشيع من حيث لا يدرون. وقد تديّن اليوم أي دان بالمذهب الوهابي قسم من الروالة لما لحقوا بنجد، والمذهب الوهابي مذهب محمد بن عبد الوهاب وهو مذهب أحمد بن حنبل بأصوله وفروعه. وإذا كان من الأمور العادية في البادية أن تكون القبائل في خصام دائم، وهي أشبه بحكومات صغرى تتقاتل وتستعين بالغريب على خصمها، مست الحاجة إلى قضاة يفصلون بينها في المنازعات، وقضاتهم منهم يتقاضون عندهم بأجر معلوم، وأحكامهم سريعة نافذة، ومن أحكامهم ما هو مطابق للشرع

<<  <  ج: ص:  >  >>