ومن هذه الفئة أُناس لا يهنأُ لهم بال إلا إذا اغتنوا، فلما انتفخت صناديقهم بالوًرَث والوَرِق، ضيقوا حتى بنيهم وبناتهم لئلا يسرفوا في أموالهم، فاضطروهم إلى ارتكاب كل شنعاء، أما هم فعادوا يدعون الفاقة، فتراهم لا ينفقون إلا ما يحفظ عليهم مظهرهم، ويوصلون إلى مراميهم، كأن الدينار جعل للخزن فقط، والسعيد من يجمعه ولو لم يستمتع بع حياته. ويخلفه لمن هم عليه أشداء الأعداء، ويصرفونه في العهر والخمر والزمر والقمر. ولو أنصف هذا الظهور له أيضاً إن
تاقت نفسه إلى الظهور.
ومنهم طائفة تصلي وتصوم، وتلزم المساجد ودروس الوعظ، وتتظاهر بالدين، وتتقرب إلى حملة الشرع وأرباب الصلاح لا تُفلت السبح من أيديها، تتظاهر بأنها تذكر اسم الله في غدوها ورواحها، وهي في باطنها من أشد الخلائق عداوة للإنسانية، تقول بألسنتها ما ليس في قلوبهم، ولو كشفت عنها الغطاء لأيقنت أنها نمن الشفقة بحيث لو شاهدت صغاراً يتضورون جوعاً ما أطعمتهم فتات موائدها، ولو بَصُرت ببائسين يرتعدون دنقاً وعرياً ما كستهم بلاس بلاط ولا زودتهم حثالة مطابخها وأهرائها، وإذا وقع لها أن أكرهت على نجدة بائس نؤوف تبجحت بما أتت، وقامت تومئ بلسان الحال إلى أنه لولاها لنهار بناء الأمة وتداعت صروح مجدها، وتوهم أساليب غريبة مضحكة.
ومنهم أناس إذا عرفتهم في العهد الماضي عرفتهم بعجمتهم التي لا غبار عليها، وهم ما كانوا يجوزون لأنفسهم التكلم بلغتهم الأصلية، فلما تبدلت السياسة تبدلوا لساعتهم، وصاروا لغير ما سبب معقول حرباً على من كانوا بالأمس يتمنون رضاهم، وأخذوا أنفسهم وأبنائهم بتعلم لغة من جاءوهم، وغيروا عاداتهم ولهجاتهم، وأنشئوا يستخدمون كل الطرق للاحتفاظ بكراسيهم، حتى إذا جلسوا عليها نسوا فضل المفضلين عليهم، وقد عاهدوا أنفسهم أن يخدموا كل صاحب قوة بالصورة التي تروقه مع