من أحسن قتال الفرنج وطلب مني أمراً فعلته معه. ومن أتاني بحجر من حجارة الحصن أعطيته خمسة دنانير، فبذل الرجالة نفوسهم وصعدوا إلى الحصن وخربوه وحملوا حجارته إلى طغتكين فوفى لهم بما وعدهم، وأمر بإلقاء الحجارة في الوادي وأسروا من بالحصن فأمر بهم فقتلوا كلهم واستبقى الفرسان، ثم سار إلى حصن رفنية فحصره وملكه، وقتل به خمسمائة رجل من الفرنج.
وفي السنة التالية ٥٠٠ زاد عيث الفرنج في أعمال السواد وحوران وجبل عوف عجلون، فنهض صاحب دمشق بالعسكر وخيم في السواد. وهجم عز الملك والي صور على ربض حصن تبنين في جبل عامل من عمل الفرنج وقتل من كان فيه، فنهض بغدوين من طبرية، وسار صاحب دمشق إلى حصن بالقرب من طبرية فيه جماعة من فرسان الفرنج فقاتله وملكه وقتل من كان فيه. وأقطع صاحب دمشق الأمير الأصفهيد التركماني وادي موسى ومآب والشَّراة والجبال والبلقاء، وكان الفرنج قد نهضوا إلى هذه الأعمال وقتلوا من فيها وسبوا ونهبوا، فلما وصل إليها وجد أهلها على غاية الخوف من الفرنج، ونهض هؤلاء لما عرفوا خبره من ناحية البرية وكبسوه على غرة، فانهزم واستولى الفرنج على سواده.
وتتابعت المكاتبات من صاحبي دمشق وطرابلس إلى محمد بن ملكشاه السلجوقي
بعظيم ما ارتكبه الفرنج، وتملك الحصون والمعاقل، والفتك بالمسلمين ومضايقة ثغر طرابلس، والحض على تدارك الناس بالمعونة، فوقع خلاف بين الأمراء الذين انتدبهم صاحب حلب ودمشق وغيرهما في جهات الرحبة، والتقوا مع عسكر قلج أرسلان في أراضي الموصل، ونسوا الغرض الذي نُدبوا إليه. وقلج أرسلان التركماني هو الذي أعان ملك الروم في القسطنطينية على بيمند ملك الفرنج، فاستظهر الروم والتركمان على الفرنج وكسروهم كسرة شنيعة أتت على أكثرهم بالقتل والأسر وتفرق الباقي منهم عائدين إلى ديارهم.