دمشق أهل صور، وكان أغار عليهم بغدوين، وسار وخيم ببانياس وبث سراياه ورجاله في أعمال الفرنج، ونهض إلى حصن الحبيس في السواد، فملكه بالسيف وأغار على صيدا وأحرق عشرين مركباً من مراكب الفرنج، وبعد أن عمل الفرنج كباشاً كبيرة لتعلق على السور رماها أهل صور بالنفط والزيت مرات، وأقاموا على محاصرة صور أربعة أشهر ونصف، ثم قصدوا عكا وتفرقوا في أعمالهم.
نزل أهل صور ٥٠٦ عن بلدهم لصاحب دمشق لما أعيتهم الحيل في الدفاع فتسلمها، وأقام الدعوة والسكة على ما كانت عليه لصاحب مصر ولم يغير لهم رسماً، مع أن سائر الشام كانت طاعتها للعباسيين ودعوتها لهم، وذلك حباً بدوام الصلات مع صاحب مصر حتى لا ينقطع مدده عن الساحل. وضبط صاحب القدس القافلة الدمشقية بينا كانت سائرة إلى مصر، بدلالة أناس من العرب البدو، واشتمل الفرنج على ما فيها من الأمتعة والبضائع، وحصل لبغدوين منها خمسون ألف دينار وثلاثمائة أسير، ولم يبق بلد في الشام إلا أصيب بعض تجاره وأهله بأموالهم.
وتواترت غارات بغدوين على عمل البثنية، وجمع صاحب الموصل عسكره من الأتراك والأكراد وقطع الفرات إلى الشام، وكذلك صاحب سنجار وصاحب ديار بكر، وكان الصليبيون يكاتبون صاحب دمشق على أن يتركوا له حصن تبنين وجبل عامل ويعوضوا عن ذلك بحصن الحبيس حبيس جلدك الذي في السواد ونصف السواد من البلقاء ويتركوا التعرض لشيء من أعمال دمشق، ولا يعرض هو لشيء من أعمال الفرنج، فلم يجب إلى ذلك، ونهض في جيشه للقاء صاحب الموصل والاجتماع به على الجهاد، فاجتمعا بمرج سليمة واتفق رأيهما على قصد بغدوين، وسارا وقد استصحب صاحب دمشق جميع العسكر ومن كان بحمص وحماة ورفنية، ونزلا بقدس فعين الجر بالبقاع فوادي التيم ثم نزلا على بانياس، ونهضت فرقة من العسكر فقصدت ناحية تبنين، فلم يظفروا منها بمراد، ووصل إليها بغدوين، وقد كان لما يئس من إجابة صاحب دمشق إلى