للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوي أن تبقى له الديار المصرية ولو ذهب الشام بما فيه، ولذلك كان الفاطميون ينجدون الشام في الأحايين لأول عهد دخول الفرنج إليه إنجاداً ضعيفاً، وأكثر نجداتهم وحملاتهم لم تثمر الثمرة المطلوبة بل خففت جزءاً صغيراً من الشر مدة، وقوّى ذلك قلوب بعض أهل الأرجاء المحصورة، ونفّس خناقهم، وأوهمهم أن وراءهم قوة الفاطميين عند مسيس الحاجة يستصرخون بها فتنجدهم. والحقيقة أن الفاطميين على قوتهم من العدد والعدد لم يستطيعوا أن يذبوا حقيقة عن عسقلان، ولا عن صور وصيدا وبيروت وطرابلس دع الأصقاع الأخرى، وإذا عرفنا أن الدولة الفاطمية كانت في أواخر أيام ضعفها هان علينا أن لا نطلب منها أن تعمل عمل الشباب.

وقد أنجدت الدول المجاورة الشام نجدات مهمة على بعد المدى وقلة المواصلات. وأبلى جند التركمان والأكراد مع عرب الشام والموصل البلاء الحسن في هذه السبيل، ولكن كانت القوى الصليبية عظيمة جداً لا قبل لهم بدفعها، فكان موقف المسلمين على الأغلب موقف المدافع لا المهاجم، وكان لأمراء التركمان في هذا

الدور غيرة شديدة في الجهاد، ولم يكن داخلهم الفساد الذي يدخل على البيوت والدول، ولو كانت الآراء متجهة إلى مقصد واحد لاستطاع المسلمون أن يدفعوا الفرنج عن هذا القطر على كثرة جيوشهم الجرارة قبل أن يتأصلوا فيه، ويطلعوا على مبلغ قوات أُمرائه، ويتعلموا بحكم المجاورة ما كان ينقصهم من أصول الحرب، وبعض الصناعات وأعمال المدنية التي وجدوها في الشام يومئذ على حصة موفورة، فاقتبسوها ونقلوها بعد إلى أُممهم غنيمة نافعة من الشرق.

وقد حرص الفرنج أن يستولوا على قرى حلب والبقاع وحوران والسواد والبلقاء في الأكثر ليتقووا بغلاتها لأن معظم القرى في فلسطين كانت ساحات حرب لا تقوم بإطعام جيوشهم. وكان الفرسان في حصون الفرنج يملكون القرى ويحبون الأموال من أهلها الأصليين، ويسلبون قوافل المسلمين. وفي التاريخ العام: كانت الحرب في الشرق كما هي في الغرب تجارة رابحة، يقوم فرسان الفرنج ويغزون أرض المسلمين، وينهبون

<<  <  ج: ص:  >  >>