ملوكهم ومن هو دونه، وصلى الصليبيون في القدس صلاة الموت، وعادوا إلى عكا وفرقوا المال في العسكر وكان مقدار ما فرقوه سبعمائة ألف دينار ولم يعينوا لهم وجهة وما كانت وجهتهم إلا فتح دمشق فورّوا بغيرها وهرّبوا المسلمين بين أيديهم. ولم يشعر أهل دمشق إلا وملك الألمان قد ضرب خيمته على باب مدينتهم في الميدان الأخضر. وكان الفرنج في نحو خمسين ألفاً من الخيل والرجل وقيل أكثر من ذلك. ويقول ابن منقذ: إن ملك الألمان لما وصل إلى الشام اجتمع إليه كل من في أرجاء الساحل من الفرنج، فقصدوا أولاً المنزل المعروف بمنازل العسكر فصادفوا الماء مقطوعاً عنه، فقصدوا ناحية المزة ووصلت طلائعهم إلى الميدان الأخضر فنشبت الحرب بين الفريقين، واجتمع عليهم من الأجناد والأتراك والتركمان وأحداث البلد والمطوعة والغزاة الجمّ الغفير، وكانت المكاتبات قد نفذت
إلى ولاة الأطراف بالاستصراخ، وأخذت خيل التركمان تتواصل، فلما ضاق الأمر بالفرنج بعد أربعة أيام ورأوا شدة عزيمة المسلمين في قتالهم رحلوا مفلولين.
ويرى مؤرخو الحروب الصليبية من الفرنج أن جيش الحملة الصليبية الثانية كان أكثر نظاماً وقيادة من جيش الحملة الأولى، ليس فيه المتشردون والأشقياء، وكان مؤلفاً من فرسان وبارونات وغيرهم أخذوا بالحماسة الدينية وساروا في قيادة ملكين عظيمين. وفي التاريخ العام أن هذه الحملة الصليبية الكبرى لم تجد نفعاً البتة حتى استغربت حالها أمم النصرانية فبحث بعضهم عن الخطايا التي استحقت بارتكابها هذه الكارثة، ونسبت أخرى هزيمة الحملة لخداع الروم أو لخيانة نصارى الشرق وذكروا أن الصليبيين في القدس قد ارتشوا من أمير دمشق بمبلغ مائتين وخمسين ألف دينار وأن الأمير أرسل المال زيوفاً أو نحاساً طلي بالذهب.
انكسر الجيش الذي قاتل دمشق بقيادة كونراد الألماني ولويز السابع الفرنسوي وبودوين الثالث ملك القدس في بساتين المزة ولحق فلّهم بالساحل، بعد أن قطعوا أشجار الحدائق للتحصن بها وأحرقوا الربوة والقبة المهدوية. وقد وصف أبو الحكم الأندلسي جيش الفرنجة على دمشق في مخيمه ومعتركه ومجتلده ومنهزمه وصفاً جميلاً قال: