ومن خان أمته وهو في عهد عزه أقرب إلى خيانتها في دور شقائه وذله، أما بالس مسكنة فبعيدة عن حركة التطاحن بين الشرق والغرب. وماء الفرات أسوغ للعاصي مجير الدين من ماء بردى والعاصي. والمقصد في الحقيقة من الفتح توحيد كلمة الإسلام، وهذا قد تم لنور الدين بفتح أبواب دمشق لعدله العمري، وخروج آخر الأتابكيين من أولاد طغتكين منها بسلام.
لم يتبدل شيء بفتح نور الدين دمشق إلا إبطال المظالم والمغارم، ورفع الحيف عن الضعاف، وجمع القوة إلى مقصد واحد لا تتزلزل بالتردد والدسائس، كانت معظم وقائع نور الدين يحالفها التوفيق وفي السنة التي وصفت الديار له أخذ من الفرنج تل باشر. وفي سنة ٥٥٠ تقررت الموادعة بين نور الدين وبين ملك الفرنج مدة سنة، وقبض نور الدين على ضحاك والي بعلبك وتسلم القلعة وفي السنة التالية ٥٥١ ظفر عسكر نور الدين بالفرنج الذين عاثوا في أعمال حلب تقررت الموادعة والمهادنة بينه وبينهم مدة سنة وان المقاطعة المحمولة إليهم من دمشق ثمانية آلاف دينار صورية، ثم نقض الفرنج الهدنة لوصول عدة وافرة من الفرنج في البحر وقوة شوكتهم بهم، ونهضوا إلى الشعراء المجاورة لهم ووقع من المندوبين لحفظ أهل القرى من الأتراك تقصير، فانتهز الفرنج الفرصة واستاقوا جميع ما وجدوه وأفقروا أهله منه مع ما أسروه من تركمان وغيرهم. وأغار الفرنج ٥٥٢ على أرجاء حمص وحماة وأطلقوا أيديهم بالنهب، وأغاروا على بانياس، فانتصر المسلمون، ومحقت السيوف عامة رجالة الفرنج ومسلمي جبل
عاملة المضافين إليهم، وملك الفرنج جبلة وكانت في أيدي المسلمين منذ سنة ٤٧٣ وثب عليها قاضيها ابن ضليعة التنوخي واستعان بابن عمار صاحب طرابلس فأخرج منها الروم، وكانت بيدهم منذ سنة ٣٥٧، وظفر أسد الدين في جماعة من شجعان التركمان بسرية وافرة من الفرنج في ناحية الشمال فانهزمت. وافتتح نور الدين بانياس قهراً عسكره في ناحية هونين بسرية من أعيان مقدمي الفرنج وأبطالهم فلم يفلت منهم إلاّ اليسير، وعسكر الفرنج على الملوحه بين طبرية وبانياس فنهض إليهم نور الدين في عسكره من الأتراك والعرب فكتب له النصر عليهم، وشاغل نور الدين الفرنج هذه السنة للزلازل التي حدثت في الشام ولكنهم شغلوا أيضاً