شيركوه بحمص وهو من أكبر أمراء نور الدين فسار إلى دمشق ليستولي عليها. وبها أخوه نجم الدين أيوب، فأنكر عليه أيوب ذلك وقال: أهلكتنا والمصلحة أن تعود إلى حلب فإن كان نور الدين حياً خدمته في هذا الوقت، وإن كان قد مات، فإنا في دمشق نفعل ما نريد من ملكها، فعاد شيركوه إلى حلب مجدّاً، وجلس نور الدين في شباك يراه الناس، فلما رأوه حياً تفرقوا عن أخيه أمير ميران. ولما أبّل نور الدين من مرضه واستقامت الأحوال أخذ حران من أخيه لطمع هذا في ملك نور الدين عندما كاد الناس ييأسون من سلامته. وقصد صاحب صيدا ٥٥٦ من الفرنج نور الدين محموداً ملتجئاً إليه فأمنه وسير معه عسكراً يمنعه من الفرنج أيضاً فظهر عليهم في الطريق كمين للفرنج فقتلوا من المسلمين جماعة وكان زهر الدولة بن بحتر التنوخي والياً على ثغر بيروت ومقيماً بحصن سرحمور فولاه نور الدين القنيطرة وثعلبايا بالبقاع وظهر الأحمر من وادي التيم وبرج صيدا والدامور والمعاصر الفوقانية وشارون ومجدل بعنا وكفرعميه ورتب له علائف لمحاربة الفرنج، وكان أبوه شرف الدولة قاطناً في عرمون الغرب فربط له طريق الدامور على الفرنج.
نازل نور الدين ٥٥٧ قلعة حارم وهي للفرنج مدة فاجتمع الفرنج وراسلوه ولاطفوه وكانوا خلقاً عظيماً فرحل عنها، ومن أعظم الوقائع التي أصيب بها نور
الدين بالفشل أكثر من كل وقعة له مع الفرنج هزيمته ٥٥٨ يوم البقيعة بينا كان نازلاً تحت حصن الأكراد فلم يشعر نور الدين وعسكره إلا وقد أطلت عليهم صلبان الفرنج وقصدوا خيمة نور الدين فركب نور الدين فرسه بسرعة وفي يده السّبحة فنزل إنسان كردي فقطعها فنجا نور الدين وقتل الكردي وسار نور الدين إلى بحيرة حمص فنزل عليها وتلاحق به من سلم من جيشه. وقد نقل سبط ابن الجوزي في تعليل هذه الكسرة بأنه لم يكن للمسلمين برك أثقال ولا طليعة ظناً من نور الدين أنهم لا يقدمون عليه قال: وكان ذلك من قلة الحزم حيث غفلوا عن العدو ولم يستظهروا بالبرك والطلائع قال: وكان من عزم الفرنج قصد حمص فلما بلغهم نزول نور الدين على البحيرة قالوا: ما فعل هذا إلا عن قوة، وتوقفوا ثم تفرقوا وخاطبوه بالصلح فلم يجبهم وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى أرضهم.