ثم إن شمس الدين بن الداية مقدم العساكر المقيم بحلب ورضيع نور الدين وأكبر أُمرائه أرسل سعد الدين كمشتكين إلى دمشق يستدعي إلى حلب الملك الصالح بن نور الدين ليكون مقامه بها، ولما استقر بحلب وتمكن كمشتكين قبض على شمس الدين بن الداية واخوته وعلى الرئيس ابن الخشاب وإخوته، واستبد سعد الدين بتدبير الملك الصالح مخافة ابن المقدم وغيره من الأمراء الذين بدمشق، وكاتبوا صلاح الدين في مصر واستدعوه ليملكوه عليهم ٥٧٠ فسار صلاح الدين جريدة في سبعمائة فارس فوصل إلى بصرى وكان صاحبها يستحثه على القدوم، ولما بلغ دمشق خرج كل من كان بها من العسكر والتقوه وخدموه، وعصت عليه القلعة وكان فيها من جهة الملك الصالح خادم اسمه ريحان فراسله صلاح الدين واستماله فسلم القلعة إليه، فصعد إليها صلاح الدين وأخذ ما فيها من الأموال. ثم كتب إلى الملك الصالح بن نور الدين كتاباً يتواضع له فيه ويخاطبه بمولانا وابن مولانا ويقول: إنما جئت من مصر خدمة لك لأؤدي ما يجب من حقوق المرحوم، فلا تسمع ممن حولك فتفسد أحوالك وتختل أُمورك، وما قصدي إلا جمع كلمة الإسلام على الفرنج. فعرض الملك الصالح ذلك على أُمراء دولته فأشاروا عليه بأن يكاتبه بالغلظة فكتب إليه منكراً عليه، وينسبه إلى كفر النعمة وجحد إحسان والده ووعده
وهدده فساء ذلك صلاح الدين وأغضى على القذى وكظم غيظه.
ولما قرر صلاح الدين أمر دمشق استخلف بها أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وسار إلى حمص وكانت حمص وحماة وبارين وسلمية وتل خالد والرُّها في إقطاع فخر الدين مسعود بن الزعفراني فلما مات نور الدين لم يمكن فخر الدين المقام بحمص وحماة لسوء سيرته مع الناس، وكانت هذه العمالة له بغير قلاعها فإن قلاعها كان فيها ولاة لنور الدين وليس لفخر الدين معهم في القلاع حكم الإبارين، فملك صلاح الدين مدينة حمص وعصت عليه القلعة فترك عليها من يضيق عليها ودكوها ورحل إلى حماة فاستغاث صاحبها بالإسماعيلية وأعطاهم ضياعاً ومالاً ليستعين بهم على صلاح الدين، فلم يلبث أن ملك مدينة حماة وكان بقلعتها عز الدين جرديك أحد المماليك النورية فامتنع في القلعة فذكر له صلاح الدين أنه ليس له غرض سوى حفظ البلاد للملك الصالح إسماعيل وإنما هو نائبه، وقصده من جرديك المسير إلى حلب في رسالة فاستخلفه جرديك على ذلك