استدعاه، ولا يحتج بحجة عن ذلك. ومن الاتفاقات العجيبة أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها:
وفتحكم حلباً بالسيف في صفرٍ ... مبشرٌ بفتوح القدس في رجب
فوافق فتح القدس في رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. ثم سار صلاح الدين من حلب بعد أن تسلم حارم ونظم أمر تلك الأرجاء وتجهز من دمشق فأحرق بيسان وشن الغارات على تلك النواحي وأرسل إلى أخيه العادل بمصر أن يلاقيه
إلى الكرك فاجتمعا عليها وحصراها ثم رحلا عنها. وسار في السنة التالية ٥٨٠ من دمشق فنازل الكرك وكتب إلى مصر فسار إليه عساكرها فضيق على من به وملك ربض الكرك، ولم يتيسر له الاستيلاء على قلعتها فرحل عنها لامتناعها عليه، فسار إلى نابلس وأحرقها ونهب ما بتلك النواحي وقتل وأسر وسبى فأكثر ثم سار إلى سبسطية فاستنقذ من بها من أسرى المسلمين. وفي سنة ٥٨١ حصر الموصل مرة ثانية فسير أتابك عز الدين صاحبها والدته ومعها ابنة عمه نور الدين محمود وغيرهما من النساء وجماعة من أعيان الدولة يطلبون المصالحة وكل من عنده ظنوا أنهن إذا طلبن منه الشام أجابهن إلى ذلك لا سيما ومعهن ابنة مخدومه وولي نعمته نور الدين فلما وصلن إليه اعتذر بأعذار غير مقبولة وأعادهن خائبات فأسف العامة لرده النساء، وندم صلاح الدين بعد ذلك على ردهن، وجاءته كتب القاضي الفاضل وغيره يقبحون فعله وينكرونه. وسار صلاح الدين عن الموصل إلى خلاط وملك ميافارقين. وغزا صاحب الكرك ٥٨٢ وأسر قافلة من المسلمين فطلبهم السلطان بحكم الهدنة فأبى فنذر صلاح الدين قتله بيده. وكان أرنلط من أغدر الفرنجة وأنقضهم للمواثيق المحكمة والأيمان المبرمة. وكان كفيل القومص صاحب طرابلس قد حنق على جماعته الفرنج لأن زوجة ريمند بن ريمند الصنجيلي هويت رجلاً من الفرنج اسمه كي وأخرجت كفيل ابنها من ملك طرابلس وكان طمع فيه، فراسل صلاح الدين وانتمى إليه واعتضد به، وطلب منه المساعدة على بلوغ غرضه من الفرنج، ففرح صلاح الدين والمسلمون بذلك ووعده النصرة والسعي له في كل ما يريد، وضمن له أن يجعله ملكاً مستقلاً للفرنج قاطبة، وكان عنده جماعة من فرسان القومص فأطلقهم، فحل ذلك عنده أعظم محل، وأظهر طاعة صلاح الدين ووافقه على ما فعل جماعة من الفرنج فاختلفت كلمتهم. قال صاحب الكامل: