سار الفرنج إلى يافا وقد أخلاها المسلمون فملكوها، ورأى السلطان تخريب عسقلان مصلحة فخربها وخرب الرملة وكنيسة لدّ وكان هدم سور طبرية وهدم يافا وأرسوف وقيسارية وهدم سور صيدا وجبيل ونقل أهلهما إلى بيروت، وكان معظم أهل صيدا وبيروت وجبيل مسلمين وكانوا في ذلة من مساكنة الفرنج. وسار إلى القدس وقرر أموره وعاد إلى مخيمه بالنطرون. ثم تراسل الفرنج والسلطان في الصلح على أن يتزوج الملك العادل أخو السلطان بأخت ملك إنكلترا ويكون للملك العادل القدس ولامرأته عكا، فأنكر القسيسون عليها ذلك إلا أن ينتصر الملك العادل فلم يتفق بينهم حال.
وذكر بعض المؤرخين أن ملك إنكلترا هو الذي عرض على العادل أخته، وكانت
أرملة ملك كبير من ملوكهم وهو صاحب صقلية توفي عنها، ورغب أن يتزوجها العادل ويجعل له الحكم على الساحل، وهو يُقطع الداوية والاسبتار من المدن والقرى دون الحصون، وتكون أخته مقيمة بالقدس وأن الإنكليز لما عنفوا المرأة واتهموها في دينها، اعتذر ملك إنكلترا بعدم موافقتها إلا أن يدخل العادل في دينها فعرف أنها خديعة كانت منه.
قال ابن شداد في وصف ريشاردس ملك الإنكليز: وهذا ملك الانكتار شديد البأس بينهم، عظيم الشجاعة، قوي الهمة، له وقعات عظيمة، وله جسارة على الحرب، وهو دون الفرنسيس عندهم في الملك والمنزلة، لكنه أكثر مالاً منه، وأشهر في الحرب والشجاعة. قال: وكانوا ملوكهم يتواعدوننا به فكان المستأمنون منهم يخبروننا عنه أنهم موقنون فيما يريدون أن يفعلوا من مضايقة البلد أي عكا حين قدومه، فإنه ذو رأي في الحرب مجرب، وأثر قدومه في قلوب المسلمين خشية ورهبة. وقال بعد أن ذكر كيف كان ملك الإنكليز يكرر الرسائل إلى الملك لتعرف قوة النفس وضعفها، وكيف كان يوهن المسلمين على تعرّف ما عنده من ذلك أيضاً: فانظر إلى هذه الصناعة في استخلاص الغرض باللين تارة والخشونة أُخرى، وكان مضطراً إلى الرواح وهذا عمله مع اضطراره، والله الولي في أن يقي المسلمين شره، فما بلينا بأعظم حيلة وأشد إقداماً منه.
بقي صلاح الدين في كل يوم يقع بينه وبين الفرنج مناوشات فلقوا من ذلك شدة شديدة واستولوا سنة ٥٨٨ على قلعة الداروم وخربوها وأسروا من فيها.