محمد، وببصرى الملك الظافر خضر بن صلاح الدين، وكان في
خدمة أخيه الملك الأفضل، وبيد جماعة من أمراء الدولة مدن وحصون، منهم سابق الدين عثمان بن الداية وبيده حصن شيزر وحصن أبي قبيس، وناصر الدين بن كورس وبيده صهيون وحصن برزية، ودلدرم بن بهاء الدين ياروق وبيده تل باشر، وأسامة الحلبي وبيده كوكب وعجلون، وإبراهيم بن شمس الدين ابن المقدم وبيده بعرين وكفرطاب وأفامية. ولما ألقي للملك الأفضل زمام السلطنة بعهد أبيه استوزر ضياء الدين بن الأثير الجزري فحسن له طرد أمراء أبيه ففارقوه إلى أخويه العزيز بمصر والظاهر بحلب، ولما اجتمعوا بمصر حسنوا للملك العزيز الانفراد بالسلطنة، ووقعوا في أخيه الأفضل فحصلت الوحشة بين الأخوين الأفضل والعزيز واستحكم الفتور ٥٩٠ بينهما فسار العزيز في عسكر مصر وحصر أخاه الأفضل بدمشق عشرة أشهر وقطع الماء عنها. فأرسل الأفضل إلى عمه العادل وأخيه الظاهر وابن عمه الملك المنصور صاحب حماة يستنجدهم، فساروا إلى دمشق وأصلحوا بين الأخوين وعاد كل ملك إلى بلده. قال العماد الكاتب: ولما انفصلت العساكر عن دمشق شرع الأفضل في اللهو واللعب، واحتجب عن الرعية وانقطع إلى لذاته، فسمي الملك النوّام، وفوض الأمر إلى وزيره الجزري، وحاجبه الجمال محاسن بن العجمي، فأفسدا عليه الأحوال وكانا سعيا لزوال دولته واستبدلا أراذل الناس بكبراء الأمراء والأجناد ففسدت أمور العباد. وفي هذه السنة استعادت الفرنج حصن جبيل وأخذ الأفضل من الفرنج جبلة واللاذقية.
وفي السنة التالية عاود الملك العزيز عثمان صاحب مصر قصد الشام ومنازلة أخيه الملك الأفضل، فسار ونزل الفوار من أرض السواد فاضطرب بعض عسكر العزيز عليه وهم طائفة من الأمراء الأسدية وفارقوه فعاد العزيز إلى مصر. وكان الأفضل استنجد بعمه العادل لما قصده أخوه، فلما رحل العزيز إلى مصر رحل
الملك الأفضل وعمه العادل ومن إليهما من الأسدية، وساروا في أثر العزيز طالبين مصر فنزلوا على بلبيس، وقصد الملك الأفضل مناجزة من فيها من جند العزيز فمنعه عمه العادل وقال: مصر لك متى شئت. وكاتب العادل العزيز وأمره بإرسال القاضي الفاضل ليصلح بين الأخوين. وكان القاضي الفاضل قد اعتزل عن ملابسة أولاد صلاح الدين لما رأى من فساد أحوالهم على ما رواه