هذا ما قاله مؤرخ ثقة من مؤرخيهم في القرن الماضي، وإليك ما قاله أديب كبير
من أدبائهم المحدثين كلود فارير: في سنة ٧٣٢ للميلاد حدثت فاجعة ربما كانت من أشأم الفجائع التي انقضت على الإنسانية في القرون الوسطى، فغمرت العالم الغربي مدة سبعة أو ثمانية قرون إن لم نقل أكثر في طبقة عميقة من التوحش، لم تبدأ بالتبدد إلا على عهد النهضة، وكاد عهد الإصلاح يعيدها إلى كثافتها الأولى، وهذه الفاجعة هي التي أريد أن أمقت حتى ذكراها، وأعني بها الغلبة المكروهة التي ظفر فيها على مقربة من بواتيه برابرة المحاربين من الفرنج بقيادة الكارولنجي شارل مارتل على كتائب العرب والبربر ممن لم يحسن الخليفة عبد الرحمن جمعهم على ما يقتضي من الكثرة فانهزموا راجعين أدراجهم.
وفي ذلك اليوم المشئوم تراجعت المدنية ثمانية قرون إلى الوراء، ويكفي المرء أن يطوف في حدائق الأندلس أو بين العاديات التي لا تزال تأخذ بالأبصار مما يبدو من عواصم السحر والخيال إشبيلية وغرناطة وقرطبة وطليطله ليشاهد والألم الغريب آخذ منه ما عساها أن تكون بلادنا الفرنسية لو أنقذها الإسلام الصناعي الفلسفي السلمي المتسامح - والإسلام مجموعة كل هذا - من الأهاويل التي لا أسماء لها، وكان منها أن أنتجت خراب غاليا القديمة التي استعبدها أولاً لصوص أوسترازيا ثم اقتطع جزءاً منها قرصان النورمانديين ثم تجزأت وتمزقت وغرقت في دماء ودموع، وفرغت من الرجال بما انبعث في أرجائها من الدعوة للحروب، ثم انتفخت بالجثث بما دهمها من الحروب الخارجية والأهلية الكثيرة، حدث ذلك على حين كان العالم الإسلامي من نهر الوادي الكبير إلى نهر السند يزهر كل الإزهار في ظل السلام تحت أعلام أربع دولات سعيدة: الأموية والعباسية والسلجوقية والعثمانية.