طالت نيابة تنكز فإن ولايته دامت من سنة ٧١٢ إلى ٧٤٠ قال الكتبي: وهابه الأمراء بدمشق ونواب الشام وأمن الرعايا، ولم يكن أحد من الأمراء ولا أرباب الجاه يقدر أن يظلم أحداً آدمياً أو غيره خوفاً من بطشه وشدة إيقاعه. قال: وكان الناس في أيامه آمنين على أموالهم ووظائفهم. وهو صاحب الأبنية العظيمة في دمشق وغيرها من الشام وكان ممن ينشط الزراعة ولما أخذه ملك مصر وقتله في الإسكندرية تأسف عليه أهل دمشق.
وتوفي الناصر محمد بن قلاوون سنة ٧٤١ بعد أن خطب له ببغداد والعراق وديار بكر والموصل والروم، وضرب الدينار والدرهم هناك باسمه كما يضرب له بالشام ومصر، وتألم الناس لفقده لأنه أبطل المكوس وأنشأ جوامع ومدارس وكانت أيامه أيام أمن وسكينة، فتولى الملك بعده ابنه المنصور أبو بكر وكان تسلطن قبل موت والده. وملك الناصر محمد بن قلاوون ثلاث مرات مدتها ثلاث وأربعون سنة وتسعة أشهر وسبعة عشر يوماً، تملك المرة الأولى بعد وفاة أخيه الأشرف سنة كاملة، والمرة الثانية بعد قتل لاجين، ومدة ملكه ثانيةً عشر سنين وستة أشهر واثنا عشر يوماً، والدولة الثالثة أقام بها ثنتين وثلاثين سنة وثلاثة شهور وخمسة أيام، وكان في الثالثة حاكماً متصرفاً ليس له منازع يخالف أمره بخلاف المدتين الأوليين. وشأن ابن قلاوون قليل في الملوك، لأنه ندر من يتخلى عن الملك أو يخلع من الملوك أن يعود إلى دست السلطنة مرة ثانية فكيف بثلاث مرات. ومن غريب ما وقع له أيضاً أنه تسلطن ثمانية من أولاده لصلبه، وهذا مما يعد في باب سعادة آل قلاوون.
وفي سنة ٧٤١ فتح علاء الدين أيدغدي الزراق ومعه عسكر حلب قلعة خندروس من الروم، وكانت عاصية وبها أرمن وتتر يقطعون الطرقات، وفي السنة التالية ٧٤٢ بايع المنصور أبو بكر الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد بن المستكفي
بالله أبي الربيع سليمان وكان قد عهد إليه والده بالخلافة فلم يبايع في حياة الناصر فلما ولي المنصور بايعه بمصر وجلس معه على كرسي الملك وبايعه القضاة وغيرهم، وكان الخليفة من أولاد العباس يقيم في مصر كعامل كبير محترم من عمال السلطنة ويبايع السلطان عند جلوسه