واستمر جكم وراءه إلى أن حاصره بإنطاكية سنة ثمان وثماني مائة، ولم تزل الحروب بينهما إلى أن طلب فارس الأمان فأمنه ونزل إليه وسلمه لغازي بن أوزر، وكان عدوه فقتله وقتل معه ابنه وجماعة منهم، واستنقذ جكم الأقاليم كلها من أيدي صاحب الباز وهي إنطاكية والقصير والشغر وحارم وغيرها وانكسرت بقتل فارس شوكة التركمان.
وفي سنة ٨٠٩ بعث شيخ إلى نابلس جيشاً قبضوا على عبد الرحمن ابن المهتار وأحضروه له إلى صفد فقتل بحضرته، وكان قد عصى بأخرة على الناصر، واتفق شيخ ونوروز فأرسله إلى نابلس فصادر أهلها وبالغ في ظلمهم فكانت تلك عاقبته. ووقعت وقعة بين شيخ والحمزاوي عند حلبين فقتل في المعركة أناس من الأمراء وقبض على الحمزاوي. واستولى تمربغا المشطوب على حلب وذلك أنه لما هرب من الوقعة التي كانت بين جكم وبين قرابللك جاء مع طائفة من المغل إلى جهة حلب فوجد ابن دلغادر قد جمع التركمان وحاصرها فأوقع بهم وكسرهم
ودخل البلد وعصت عليه القلعة. ولما بلغهم قتل جكم سلموها فاستولى على ما بها من الحواصل وعلى ما بحلب أيضاً من الخيول والمماليك المخلفة عن جكم. ثم قدم الملك الناصر من مصر فانهزمت العرب ودخل السلطان دمشق وبنى ما كان هدم. وفي سنة ٨٠٩ ثارت طائفة من المماليك ومعهم عامة حلب على شركس المصارع.
وهكذا كثرت الفتن في الشام في العقد الأول من القرن التاسع وكلما قوي أمير قتل رجال الأمير الذي كان قبله، وشأن الظلم في الرعايا عجيب، والمصادرات قائمة على ساق وقدم، وبالجملة فقد كانت الدولة التي تولت أمر مصر والشام على حالة سيئة وكثير من ملوكها لم يتم لهم في الملك أشهر معدودة، وناهيك بهذا التبدل قال ابن تغري بردي: وكثرت المصادرات بدمشق وغيرها في أيام هذه الفتن ٨١٠ وأُخرجت الأوقاف عن أربابها وخربت بلاد كثيرة بمصر والشام، لكثرة التجاريد وسرعة انتقال الأمراء من إقطاع إلى إقطاع. وقال ابن حجر: وفيها كملت عبارة قلعة دمشق وكان ابتداؤها في العام الماضي وصرف على عمارتها مال كثير جداً، وظلم بسببه أكثر الخلق من الشاميين وغيرهم. وبسط نوروز يده في المصادرات بدمشق