منها فهناك البؤس والنحس، وضياع الحقوق وفساد النظام.
قال جودت في تاريخه: إن الدولة العلية لما انتقلت من دور البداوة إلى دور الحضارة لم يتخذ رجالها الأسباب اللازمة لهذا الانتقال، وحصروا أوقاتهم في حظوظ أنفسهم وشهواتهم، يقيمون في العاصمة القصور الفخمة، ويفرشونها بأنواع الأثاث والرياش مما لا يتناسب مع راوتبهم فاضطروا إلى الارتشاء وبيع المناصب بالمال وتلزيم الأقاليم وإقطاعها بالأثمان الفاحشة، فضاق ذرع الأهلين، واضطر كثير من أهل الذمة أن يهجروا الأرض العثمانية إلى الخارج، وترك غيرهم القرى وجاء الآستانة فراراً من الظلم فلم يبق مكان في الآستانة، وتلاصقت الدور وتضايقت أنفاس الناس وكثر الحريق والأوبئة، وصعب تدارك ما يلزم هذه المدينة الضخمة من الحبوب فأصبحت الحكومة تأتي بها من القاصية، والتجارة ليست من شأن الحكومة اه.
من أمثال الترك السمكة تفسد من رأسها، وحقيقة أن فساد الولايات كان ينبعث من العاصمة أيام كان يقبض فيها على زمام الأحكام غالباً جهلاء ظلام وصموا بسلب الناس بكل حيلة، حتى ينعموا بما يجمعون في قصورهم ومصايفهم على ضفاف الخليج والمضيق في فروق. وإذا صادفت العناية أن تولى الصدارة رجال عظام على شيء من حسن الإدارة وقوة الإرادة، فإن رئاسة النظار كثيراً ما تولاها في السلطنة العثمانية الندماء والسخفاء بل الطباخون والطبالون والمزينون والبساتنة وغيرهم من المقربين من نساء القصر الملوكي، أو الزنوج الخصيان الذين كانوا يولون ويعزلون كما يشاءون ويشاء ضيق عقولهم.
ولا عجب في حكومة هذا شأن نصب الرئيس فيها إذا كان الوزراء والعمال على هذا النحو، فلطالما ولي المشيخة الإسلامية في الترك أغبياء أدنياء في منشئهم ومسلكهم ممن ليس لهم من العلم الديني إلا قشوره وشارة أهله وعلى نسبة وسائط
بعضهم وكثرة ما يعرف من المقربين من السلاطين كان ارتقاء أحدهم إلى المناصب العليا، وهذه الطبقة لا تقرب إلا من كانوا على شاكلتها من الجهل والفساد. ومثل هؤلاء الرجال إذا كان لهم قوة يستندون