وقال أيضاً في حوادث سنة ١٠٠٥. إنه استقر في دمشق كيوان منشئ الظلم بالشام قائداً بباب صاحب الشحنة، فشرع يصادر ويسلب، وكثرت القتلى في أزقة دمشق، وكان الإنسان يمشي فلا يسمع إلا من يقول غرموني أربعين قرشاً ومن يقول سبعين قرشاً وثلاثين وعشرين وأكثر وأقل. واصطلم الناس من كثرة الظلم وبقي من يخشى الفضيحة يحمل الجزية إلى كيوان المذكور قبل أن يرسل إليه. هذا ما كان يجري في عاصمة الشام على مرأى ومسمع من القريب والغريب، فما بالك بما كان يجري في الأقاليم التي تقل فيها المراقبة وتضعف المقاومة، فقد تهيأ لأخبارها هنا من دونها أو بعضها حتى وصلت إلينا، وهناك ضاعت أخبارها لقلة المدونين.
وظهر في أيام أحمد مطاف باشا كافل حلب ١٠٠٥ - ١٠٠٨ فساد كثير من العربان في أنحاء حلب فأرسل عليهم ابنه درويش بك فاقتتلوا فانهزم عسكر حلب وكانوا ألف فارس وأخذ عرار أمير العرب يتبعهم ويقتل منهم ويغير عليهم.
وفي سنة ١٠٠٧ كانت الواقعة في نهر الكلب بين ابن معن وابن سيفا فانكسر ابن سيفا وتشتتت جيوشه، وتولى فخر الدين المعني كسروان وبيروت. واستولى يوسف باشا سيفا على جهات طرابلس لما أهلك رؤساء عصاة ابن جانبولاذ التركماني، واستقل بها وأخرج بواسطة عسكر السكبان جند الانكشارية من عمالته ونكل بهم وصار له بذلك نفوذ وسلطان.
وقال نعيما في حوادث سنة ١٠٠٨: إن عسكر الانكشارية في دمشق جاءوا حلب بحجة جباية أموال الدولة، وتسلطوا على فقرائها وعملتها وتجاوزوا الحدود في الاعتداء، وأساءوا استعمال سلطانهم في الرعية، فقطع والي حلب رأس سبعة عشر رجلاً منهم، ودام الشقاق بين الأهالي والانكشارية مدة طويلة أدى إلى سفك دماء كثيرة بغير حق اه. ومن ذلك اعتداء خداويردي قائد حلب على الناس وفتكه
ونهبه وتعديه حتى ضجر منه أهاليها وحكامها، حين قامت الحرب بينه وبين نصوح باشا، وبينه وبين ابن جانبولاذ، وكان هو وأحفاده قد عاثوا في الأرض فساداً ومنه نشأ طغيان العسكر الشامي.
ومن فتن هذه الأيام خروج عبد الحليم اليازجي رأس جماعة درويش