وكانت له في باب قوة الإرادة آيات منها أنه لما حدث اختلاف بينه وبين بيت سيفا أصحاب طرابلس، أتى بنو سيفا وأحرقوا ونهبوا الشوف فأقسم كما قيل هكذا: وحق زمزم والنبي المختار لعمرك لأعمرك يا دير بحجر عكار. وهكذا كان فإنه لما فاز على بني سيفا وحاصر قلعة الحصن وأخذها وهدمها، جعل الجمال بالألوف تجلب الحجارة من عكار إلى دير القمر وبني الدور القديمة في الدير ووزع في جدرانها من حجارة عكار الصفراء.
كان ابن معن يجمع إلى الحسنات سيئات فمن حسناته أنه كان يميل إلى عمران إماراته ويتسامح مع الأجانب حتى تكثر صلات الشاميين بهم للتجارة، وكان عنده على الدوام عشرة آلاف جندي تحت السلاح ويستطيع أن يجند مثلها وقيل: إنه كان يستطيع أن يجند أربعين ألفاً. وقد سئل لما كان في إيطاليا كم يقدر أن يجهز من العسكر فقال: كنت أجمع نيفاً وعشرين ألفاً ما عدا الذين يتأخرون في البلاد للمحافظة، وكان يفضل على الأدباء والعلماء وكذلك كان يفعل خصومه بنو سيفا. أما سيئاته فكان مفرطاً بأخذ الأموال من الناس ولا سيما بعد أن زار إيطاليا وتعلم منها البذخ حتى اشمأزت منه رعيته، وقد بلغت جبايته تسعمائة ألف ليرة يعطي الدولة نحو ثلثها ويتمتع بالباقي. وكان نزوعاً إلى العلى محافظاً على صلواته مع الجماعة وعلى عاداته الإسلامية حتى في إيطاليا، وبنى جامعاً ومئذنة في البلدة التي نزلها، ولما كان في الغرب عرض عليه ملك اسبانيا أن يدين بالنصرانية ويتولى مملكة أعظم من مملكته فاعتذر بلطف. ذكر هذا مؤرخه الخالدي إلا أن
المعلمة الإسلامية تقول: إن الأمير فخر الدين لما وفر إلى ليفورنا ١٠٢٢ واستقبله كوسموس الثاني الدوق العظيم باحتفال حافل لم يتحقق الأمل الذي كان عقده من العودة في الحال بجيش معاون من المسيحيين للقضاء على السلطة التركية في الشام. وعبثاً حاول أن يظهر أن الدروز من نسل مسيحي اسمه الكونت دي درو وأنه هو أيضاً من أبناء كودفري دي بوليون من أمراء الصليبيين. ولم يوفق أن يحمل المسيحيين على إعلان حرب صليبية جديدة. وربما كانت قواه إذا قيست بقوى ابن سيفا صاحب طرابلس