للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنسان يكشف رأسه وينظر في وجهه فالذي يقول فيه نيشان يرجعونه إلى السجن، والذي يقول ما فيه نيشان يطلق، ثم أنه أحضر الفعلة أيضاً وصنع بهم كذلك وقبض منهم جملة وأحضر التجار وأرباب الصنائع والحمالين وعلى هذا المنوال عامل الجميع فامتلأت السجون، ومن الغد أحضر المغاربة وأمر أن يخرجوا السجناء كلهم

خارج البلد ويقتلوهم ففعلوا ما أمرهم به؛ قال مدوّن وقائعه: وكان يوماً عصيباً لم تكن تسمع فيه إلاّ صراخ المقتولين ظلماً وعويلهم وأنينهم، وبقي القتلى كالغم مطروحين خارج البلد، ثم أمر أن ينادي المنادي في شوارع عكا ليخرج أهل القتلى لدفن موتاهم، وأشار إلى أن كل امرأة ترفع صوتها تُقتل حالاً، فخرج الناس ودفنوا القتلى. ثم ابتدأ يرسل جنوده يقبضون على الفلاحين ومشايخ القرى وأصحاب المقاطعات فمنهم من يقتله ومنهم من يصم أُذنه ويجدع أنفه ويطلقهم.

ولم يذكر المؤرخون علة استرسال الجزار في قتل الناس على هذه الصورة من غير سبب ولعله أُصيب بمسٍ من الجنون أو أن جنونه أطبق هذه المرة فأزهق الأرواح، وإن امتاز في أدوار حياته بالفك والفتك. وذكر المؤرخون أن الجزار قبيل وفاته أمر أن يغرقوا من كان في سجنه في البحر فنفذ أمره. وفي التاريخ العام أن الجزار أوقد جذوة التعصب بين المسلمين في بيروت وأغراهم بقتل الموارنة حتى يضمن حكمه على بيروت. ولم يكن يُعرف فيما إذا كان الجزار خادماً مخلصاً للسلطان أو عاصياً وقحاً. وكان كثيراً ما تجيئه رسل جاويشية من الأستانة تحمل أبيه بعض الأوامر فيجز رأس القادم ويبعث به إلى ديوان الأستانة، وهناك يغدق الذهب على الوزراء والخصيان ونساء الحرم السلطاني. وكثيراً ما كان يقول وهو في حال السكر للمسيو دي توليس: السلطان كالبنات يعطي نفسه لمن يعطيه أكثر، فإذا حاول أن يقاومني فأنا أرده إلى الصواب بأن أهيج عليه مصر والشام وآسيا الصغرى، وأزحف على الأستانة في جيش القابسز وأكون قادراً مثل لويس الكبير إمبراطور فرنسا.

وقد وصف كشاقة الجزار وصفاً معقولاً قال فيه: إنه كان داهية ذا بأس وحنكة واسعة، سلمت إليه الدولة إدارة شؤون إيالتها وعولت عليه في

<<  <  ج: ص:  >  >>