وقد أضاعوا جزءاً مهماً من مملكتهم وما يربو على مائتي ألف كيلو متر مربع من الأراضي، وسبعة ملايين من الرعايا، وانسلخت جزيرة قبرص عن السلطنة وقضت معاهدة برلين ١٢٩٤ أن لا تسلب من الدولة الإمارات التي كانت تابعة لها فقط، بل نصف أرضها في أوربا، وأن يتعهد السلطان بإصلاح مكدونية وكريت وأرمينية وتحملت السلطة غرامة باهظة. وأعلن السلطان القانون الأساسي في المملكة وسارع بتأليف مجلس نيابي ومجلس شيوخ واجتمع مجلس الأمة قبل أن يحضر نواب اليمن وبغداد والبصرة وطرابلس الغرب لبعد ولاياتهم واكتفوا بوجود ثلثي النواب، وانتهت معاملة أعضاء مجلس النواب بعد ثلاثة أشهر من نشر القانون السياسي، ولم يكن انتخاب النواب بالرأي العام بل بتعليمات مؤقتة بمعرفة مجالس الإدارة.
ولما تناقش النواب في مسألة الصلح مع روسيا لم يرتضوا بالشروط الصعبة التي
اقترحتها الدولة الظافرة وحدث في المجلس أخذ ورد، شق ذلك على عبد الحميد وربما بدرت بوادر من بعض النواب بحق السلطان فأمر بإقفال المجلس، وكان على حماة يرضى معها أن يتنازل عن ثلثي المملكة على أن يضمن له عرشه، فصدر أمره بتوقيف أعمال مجلس النواب إلى مدة غير معينة وأمر بإخراج عشرة من نواب الولايات في ثمان وأربعين ساعة من الإستانة، وكان منهم خمسة من ولايات الشام فأظهر بذلك أول صورة من صور استبداده خالف بها الأصول النيابية، ولم تتمتع الأمة بحرية الدستور سوى أربعة أشهر لأنه صعب على مانحه أن يسير على غير خطة الاستبداد، وندر أن يجيء من المستبد إلا مستبد، فزاد حنق الأحرار والغيورين على بقاء السلطة العثمانية، وأخذ هو يشتد خوفه على نفسه، ويقضي على من كان خلع عمه عبد العزيز على أيديهم من الوزراء، ولاسيما مدحت باشا الذي نقله إلى ولايات بغداد والشام وإزمير، ومنها إلى حبس الطائف فقتله هناك، وأخذ يستكثر من الجواسيس وأصبح ولا همّ له بعد سنين إلا اتخاذ الاحتياطات لذلك، وكثرت أوهامه وظنونه، وأنشأ يراقب المطبوعات مراقبة دقيقة مضحكة، ولا يسمح بنشر جريدة ولا كتاب على الأكثر إلا إذا طرز باسمه واختلقت له فيه الأماديج. وفي أول عهده ١٨٨١م أخذ الصهيونيون ينزلون فلسطين مئات كل سنة،