ضيا باشا جعله متصرفاً على لواء اللاذقية في مبدإ هذا القرن فرفع عن النصيرية الظلم، ووسد الحكم لبعض مشايخهم ووجوههم،
بأن جعلهم أعضاء في المحاكم والمجالس ليشعر نفوس قومهم العزة بعد الامتهان والذلة، وأنشأ لهم جوامع ومدارس فأخوا يتعلمون ويصلون ويصومون، وأقنع الدولة بأنهم مسلمون فلم يعصوا له أمراً، ونفس من خناقهم فبدءوا يشعرون بأنهم بشر كسائر مواطنيهم وأنهم شركاء في هذا القطر لهم فيه حقوق سائر أرباب المذاهب وبعد أن ترك هذا المتصرف العاقل منصبه الذي دام بضع سنين على أحسن ما يكون، مع أنه كان بعلمه في درجة الأميين، خربت المدارس وحرقت الجوامع أو دُنست، وكانت الدولة في أكثر أدوارها لا تأخذ من معظم إقليم النصيرية شيئاً يذكر من الضرائب، والقائم مقام الذي يجبي منهم ضريبة السنة أو بقايا ضرائب السنين السالفة تصفق له الدولة وينال تقدير ولاة الأمر فيشرفونه برتب الدولة ومراتبها، وكانت جباية خمسين ألف قرش من النصيرية تستلزم إعداد حملة عليهم ينفق عليها ما يقرب من المبلغ المجبي أحياناً.
قلنا: إن النصيرية كانوا ينظر إليهم نظر ازدراء. وقد سألنا عالم جبلهم في أيامنا الشيخ سليمان الأحمد عن رأيه في الحوادث الأخيرة، فكتب إلينا يقول ما نثبته بالحرف لأن قوله حجة في هذا الباب قال: كان أهل الحاضرة اللاذقية في هذا القرن يعدون ما يفعله جهلة العلويين النصيرية بفتيا علماء الدين، فيعصبونه بهم لدى الحكام ويغرونهم بهم وبالرؤساء، ويحرضونهم على الفتك بهم بكل واسطة، وكان الدين أعظم الوسائط التي توصل بها إلى هذه الوحشية والبربرية ومن جري ذلك المصاب العظيم الذي وقع على آل سعيد البهلولية من أشرف وأجل البيوت العلوية في حادثة سنة ١٢٩٥ وما كان العلويون ليحملوا وزر مصائبهم على الدولة التركية، بل على وجهاء البلد ورؤسائه السنيين وعلمائهم، ثم على أهل الفساد من مقدميهم ورؤسائهم الذين كانوا يسارعون لما بين عشائرهم من الضغائن والأحقاد والغارات إلى الدخول بخاطر الأغوات ثم بخاطر الحكام عن أيديهم، ومن
تم له الفوز جردت له الحكومة العساكر الجرارة، وسلمته قيادتهم الفعلية فيسطوا بهم وبعشيرته على عدوه. ولا تسل عما تفعل الهمجية. ومتى دوخت تلك العشيرة وقتل أشرافها