ذنب سوى وجودهم في الحزب المعارض لجمعية الاتحاد والترقي، والقانون العثماني لا يعرف الاتحاد والترقي بل السلطنة العثمانية.
ثانيا: إن فريقاً آخر منهم لم يوجد عليهم وثائق خطية ولا قرائن قطعية تذهب في جزائهم إلى درجة القتل، وقد برر جمال هذا العمل فيما بلغنا من نفس رئيس الديوان العرفي بأنه من باب القتل السياسي مع أنه كان الأولى بهؤلاء أن يتركوا إلى حكم القانون فيحكم عليهم بحبس أو نفي على حسب درجة جرمه.
ثالثاً: على فرض غير الواقع، وهو أن هؤلاء مجرمون أعداء للدولة، فلم يكن من باب السياسة ولا حسن الرأي، فتح هذه المسألة أثناء الحرب ومجازاة أناس قد عفي عنهم ونكء القروح التي كانت قد سكنت نوعاً، وإثارة عواطف العرب وحفائظهم وإظهار كون الترك يريدون الانتقام في هذه الفرصة التي سنحت لهم للبطش وتعزيز النزعة الأجنبية بهذه السياسة.
رابعاً: إن الألوف الذين نفاهم إلى الأناضول مع عيالهم وخرب بيوتهم، وأمات كثيرين منهم في الغربة لم يكن منهم مائة شخص يدرون ما هي السياسة، فضلاً أن يكونوا خائنين للدولة فكان تغريبهم عن أوطانهم مجرد عذاب وقهر، بدون أدنى فائدة، سوى النفور مع تكليف الدولة عليهم ١٥٠ ألف ليرة شهرياً فكان خطأ جمال أنه سلح أعداء السلطنة العثمانية، وأنصار الشقاق بين العرب والترك، ورواد
السياسة الأجنبية الكثيرين في الشرق، بسلاح من البراهين لم يكونوا يملكونه فيما لو كان الأتراك انصرفوا من بلاد العرب بدون أعمال جمال. اه.
وبعد فقد عمل جمال باشا ما عمل بقرار من جمعيته، وكان من ورائه أنور باشا يحثه على إهلاك هؤلاء الذين صلبوهم. وقد جاء هذا مرة إلى عاليه من لبنان فقال على صورة الاستنكار: أما قتلتم بعد هؤلاء الخونة؟. وكان أنور باشا نمراً مفترساً في صورة حمل وديع، والدم في نظره ونظر رفاقه طلعت ومدحت وناظم وشركائهم أحلى في المذاق من طيب الشراب خصوصاً إذا كان صاحبه غير تركي، ومساويه ومساوي أصحابه أكثر من أن تحصى، تجردوا من كل عاطفة ومن كل دين، وعاطفتهم دهان وتظاهرهم بالدين رياء.