الزيتون والكينا من فلسطين، والجوز والمشمش والحور من الغوطة، والسنديان والزان من الصنوبر من لبنان، والزيتون والفستق من حلب، والغضا من الحجاز، واشتد الجوع وعزّ الخبز، وأصبح الغني يغتبط بأنه ينال قوت يومه على أيسر وجه، وذل اعظم عظيم في هذه الديار أمام جمال باشا وأشياعه من الاتحاديين، وصانعه
اكبر البقية الباقية من الأحرار مخافة أن ينالهم من ظلمه ما نال غيرهم، وكان الموت معلقاً بين شفتيه ومن لا يصانعه يذله، وربما قتله أو نفاه من هذه الأرض. وكان يعمل ما يريد ثم يكتب إلى الأستانة بما حصل. ومن أغرب الأحكام أن يجعل القتل في أيدي العرفاء والنقباء من صغار الضباط، فكان لأحدهم إذا قبض على عشرة فارين أن يهلك واحداً منهم بالقرعة! وهكذا تجددت الأحكام القره قوشية، ورخصت الأرواح وبيعت بيع السماح.
قال جمال باشا في مذكراته: ويقيننا أن الفضل في عدم حدوث ثورة في سورية خلال العامين والنصف العام اللذين أعقبا إعلان الشريف حسين استقلال بلاده، إنما يرجع إلى أحكام القتل التي وقعت في نيسان ١٩١٦ وبقطع النظر عن ذلك فإن أنور باشا وهو وزير الحربية، وطلعت باشا وهو وزير الداخلية، قد وافقا على تنفيذ أحكام القتل بدون استئذان من المراجع العليا، ثم أرسلتُ إلى الأستانة تقريراً بما أجريته وهناك راجعته محكمة الاستئناف التابعة لوزارة الحربية ثم أرسلته بناء على قرار مجلس الوزراء إلى القصر للتصديق السلطاني، وهكذا أيدت الإرادة السنية الأحكام التي قضى بها الجيش ونفذها وبذا ختمت هذه الرواية اه.
وكلما كانت الأمة ترجو انفراج الأزمة كان أحمد جمال باشا وهو قوي الثقة بنفسه وجيشه يرجو أن تنجلي الحرب عن نصرة دولته، ويؤسس في الشام معاهد لتتريك العرب وتقوية الدعوة التركية الاتحادية في نفوس الأمة ويفتح شوارع في يافا والقدس وبيروت ودمشق ويضع المصورات والخطط والتصميمات لهندسة أمهات مدن الشام على الطريقة الحديثة، وقد نفذت أحكامه على البادية والحاضرة، حتى إن بعض أمراء العرب كانوا عيوناً له يقبضون إحساناته الكثيرة، ولا يتلكئون عن قبول المعاونات التي يقدمها لهم الإنكليز. ولم يسلم من يد جمال باشا إلا دروز جبل حوران فإنهم خدعوه بوعودهم، ولم يتجندوا