وأخذت الوظائف تنتقل من أيدي المسلمين والمسيحيين إلى أيدي الإسرائيليين، وخص الإسرائيليون بالرعاية على ما لم يكن لهم به عهد، فشق ذلك على أهل الوطن، واجتمع المسلمون والنصارى وألفوا جمعية تطالب بريطانيا بالعدول عن هذا الوعد البلفوري، وكثرت الوفود منهم إلى أوربا وإلى مصر مركز القيادة العامة للجيوش البريطانية، فشعرت بريطانيا بصعوبات حقيقية في إدارة فلسطين آب ١٩٢١ وحدثت فتنة في يافا والقدس وغيرها من المدن الفلسطينية وتوقفت الأعمال، والقوم لا عمل لهم إلا إرادة بريطانيا على الرجوع عن وعدها لليهود، وقد ملأ أبناء فلسطين من غير اليهود
وهم ثمانية أضعافهم العلم صياحاً وعويلاً ولم ينفس لهم كرب، ولم يدركوا لهم غاية. وهكذا كان من شبح الصهيونيين ما أخاف المسلمين والنصارى فاتحدوا اتحاداً صادقاً وجامعتهم في اتحادهم، وحدة المصلحة على طراز كان فيه شيء من الغرابة.
ولما تركت الحكومة العربية في دمشق وشأنها على أثر انسحاب الجيوش البريطانية إلى الخط الذي عينته معاهدة سايكس بيكو في فلسطين، رأى الأمير فيصل أن يذهب ١ أيلول إلى لندرا وباريز ليفهم ساستهما حقيقة أماني الأمة السورية ويعرف موقفه من معاهدة بريطانيا وفرنسا المنعقدة في ١ أيلول ١٩١٩ وخلاصتها تسليم قلقية والمنطقة الغربية من أرض العدو المحتلة أي ساحل سورية إلى الإدارة الفرنسية، فسحبت بموجبها الجيوش البريطانية إلى ما وراء الخط المفروض الذي عين الحدود بين المنطقتين المنوه عنه بمعاهدة سايكس بيكو، أما المنطقة الشرقية وأرض العدو المحتلة أي المنطقة العربية فتبقى الحكومة بدمشق قابضة على زمامها، وتقدم لها الدولة الفرنسية المساعدة الضرورية التي نصت عليها معاهدة سايكس بيكو.
ما استطاع رجال بريطانيا أن ينيلوا الأمير فيصلاً رغائبه، وأحالوه على فرنسا لأن الانتداب في الشام اصبح لها دون سواها، وفي فلسطين تم الانتداب لإنكلترا وكذلك العراق. فبذل الأمير جهده حتى يفهم رجال السياسة في بريطانيا وفرنسا ما هي المسألة السورية، وبعد الجهد العظيم لم ير إلا الاتفاق مع رئيس الوزارة الفرنسية المسيو كليمانسو وتعهد له أن يكون مع فرنسا ويرضى بانتدابها على الشام، واعترفت فرنسا لأهل الشام على اختلاف مذاهبهم بالاستقلال