كما جعل سيف الدولة في القرن الذي قبله مدينة حلب مجمع الأدباء والشعراء بإحسانه ومشاركته. أحسن نابغة الشام أبو العلاء المعري إلى الآداب العربية أي إحسان، وهو من بيت أدب وفضيلة، كان أبوه عبد الله بن سليمان لغوياً شاعراً، وأخوه الأكبر محمد بن عبد الله وأخوه الثاني عبد الواحد بن عبد الله شاعرين مجيدين، وكان الشعر والأدب متسلسلاً فيهم من بطون كما تسلسل في بيتهم القضاء مدة مائتي سنة. ومن شيوخ أبي العلاء أبو بكر محمد بن مسعود النحوي ومحمد بن عبد الله بن سعد النحوي الحلبي، ومن تلامذته أبو غالب همام بن الفضل بن المهذب صاحب التاريخ المشهور، وأبو يعلى عبد الباقي ابن أبي الحصين، وأبو محمد عبد الله الخفاجي، ورشأ بن نظيف بن ما شاء الله المقري، وهذا كان أول من أنشأ في دمشق داراً
للقرآن في حدود سنة ٤٤٤ والخطيب التبريزي والحسن بن علي بن همام والأمير أبو الفتح بن أبي حضينة وعشرات غيرهم من أهل المعرة وكفر طاب وحلب ودمشق وحمص وحماة وطرابلس والرقة وهكار والمصيصة وبغداد وتبريز والأندلس إلى غيرهم من التنوخيين أهل بيته، وكان أكثر هؤلاء يقول الشعر الجيد حتى أصبح ذلك من اختصاصهم. وممن صحب أبا العلاء المعري وأخذ عنه كثيراً علي بن القاضي التنوخي كان من أهل بيت كلهم فضلاء أُدباء ظرفاء. ومما يستدل به على انتشار الآداب في هذا العصر وتغالي الناس في الشعر والأدب ما قيل من أن سبعين شاعراً رثوا المعري على قبره يوم مات، فما بالك بسائر شعراء الشام على ذاك العهد.
وقام في هذا القرن من العلماء إبراهيم بن عبد الرزاق الإنطاكي مقرئ أهل الشام ٣٣٨ ومن المحدثين عمر بن علي العتكي الإنطاكي الخطيب الحافظ صاحب كتاب المقبول وعبد الوهاب الكلابي المحدث ٣٩٦ ومحمد ابن عبيد الله يعرف بابن أبي الفضل أبو الحسن الكلاعي الحمصي المحدث ٣٠٩ وأبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي محدث دمشق كان يسكن في ربض باب الفراديس في طرف العقيبة ٣٢٨ قال القاسمي وإليه تنسب مقبرة الدحداح، وعمر بن حسن الخرقي الحنبلي الدمشقي صاحب التصانيف العديدة وأحمد بن شرام الغساني أحد النحاة المشهورين بالشام