عصورهم، ومنهم أبو المجد بن أبي الحكم من الحكماء المشهورين من أهل القرن السادس، كان يعرف الموسيقى ويلعب بالعود، ويجيد الإيقاع والغناء والزمر وسائر الآلات، عمل أرغناً وبالغ في إتقانه (١) وحاول أيضاً عمل الأرغن واللعب به أبو زكريا يحيى البياسي من أطباء الناصر صلاح الدين.
وكان من البارعين في هذا الفن من العلماء قسطاً بن لوقا البعلبكي وعبد المؤمن
بن فاخر ونجم الدين بن المنفاخ المعروف بابن العالمة وفخر الدين الساعاتي. وكان رشيد الدين بن خليفة أعرف زمانه بالموسيقى واللعب بالعود، وأطيبهم صوتاً ونغمة حتى إنه شوهد من تأثير الأنفس عند سماعه مثل ما يحكى عن أبي نصر الفارابي، فكثر إعجاب المعظم به جداً وحَظيَ عنده. ومنهم علم الدين قيصر أخذ الموسيقى عن الفيلسوف كمال الدين بن يونس في الموصل.
وكان أحمد بن صدقة طُنبورياً مقدماً حاذقاً حسن الغناء ومحكم الصنعة، وكان ينزل في الشام فاستدعاه المتوكل إلى بغداد وأجزل صلته. وكان خلفاء بني العباس كلما سمعوا بنابغة في هذا الفن حملوه من القاصية وأغدقوا عليه الهبات ذكراً كان أم أُنثى، ولهم في ذلك نوادر إن لم تصحّ كلها ففي بعضها إشارة إلى ما كانوا فيه من حب هذا الفنّ.
ومنهم الجمال البستي كان يلعب بالجغانة الأصل الصغانة وهي القيثارة ولي خطابة جامع التوبة بدمشق على عهد الملك الأشرف، فلما توفي تولى موضعه العماد الواسطي الواعظ وكان يتهم باستعمال الشراب، وصاحب دمشق يومئذ الصالح عماد الدين إسماعيل. فكتب إليه عبد الرحيم المعروف بابن زويتينية الرحبي أبياتاً، يعرّض بها الرجلين ويرجو أن يعاد جامع التوبة إلى ما كان عليه محله من قبل، وهو خان للفسق والفجور، لأن حظه حتى بعد أن صار جامعاً أن يتولاه موسيقار، وشرّيب عقار، فقال: