لما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تَكسرا
لقيناهم كأسا سقونا بمثله ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
ومنذ الزمن الأطول إلى أيامنا ما خلت الشام من عوادة وطنبورية وكراعة وربابية
وصناجة ورقاصة وزفانة. ولم يخل عصر بعد زهو الشام على عهد الأمويين والعباسيين ومن بعدهم من المماليك وغيرهم من مبرزين في الغناء والموسيقى. واشتهر في دمشق بضرب القانون وكان أستاذاً فيه أحمد التلعفري ٨١٣ كان كاتب المنسوب. ومن النابهين ابن القاطر الدمشقي من أهل القرن الحادي عشر كانت له شهرة عند أرباب هذا الفن فإذا حضروا معه مجلساً عظّموه وتراخوا في العمل حتى يشير إليهم، ذكر ذلك المحبي وترجم له ولرجب بن علوان الحموي وقال: إن هذا كان يعرف الموسيقى على اختلاف أنواعها وهو أعرف من أدركه وسمع به، وله أغان صنعها على طريقة أساتذة هذا الفن. ومنهم برسلوم الحلبي رئيس أطباء الدولة العثمانية ونديم السلطان محمد بن إبراهيم كان حسن الصوت عارفاً بالموسيقى. واشتهرت أُسرة بني فرفور في القرنين الماضيين بدمشق بالشعر والآداب وقد أخرجت رجلين من أبنائها عارفين بالموسيقى وهما جمال الدين وعبد الرحمن.
وفي تراجم أهل الغناء الذي كتبه الكنجي المتوفى سنة ١١٥٠هـ ترجمة ستة وعشرين مغنياً من معاصريه في دمشق وفيهم المؤذن والمنشد في الأذكار والمغني على الآلات الموسيقية، مما يدل على الإقبال على الموسيقى حتى في أعصر الظلمات فإذا كانوا في عصره على هذا القدر في دمشق فقط فكم كان في حلب وغيرها من المدن، وحلب مشهورة من القديم بغرام أبنائها بالموسيقى منذ عهد سيف الدولة بن حمدان، دع الموسيقيات والمغنيات ممن غفل المؤرخون عن ذكرهم أمثال علوة محبوبة البحتري في حلب التي ذكرها كثيراً في شعره الخالد.
ومن الموسيقيين من كانوا يمارسون الموسيقى للتكسب وهم المحترفون، ومنهم من كان يخدم هذا الفن المهم حباً به وهم الهواة، ومن هؤلاء طبقة من الرجال والنساء لا يستهان بها ولكنها كانت ولا زالت متكتمة، ومنهم من تستعمل من الموسيقى أو