جاء الإسلام للقضاء على الوثنية وعبادة الأصنام، فحاذر المسلمون إذا أجازوا الرسم المجسم أن يكون في عملهم مدرجة للعرب إلى الرجوع إلى عبادة الأصنام، فجعلوا في التجويز بعض القيود الخفيفة، ولما ذهبت تلك الخشية أخذت مسألة التصوير تنحل شيئاً فشيئاً ويُعمد إلى ما فيه مصلحة منه. ذكر المقريزي أن الرسول عليه السلام أقر نقود العرب في الجاهلية التي كانت ترد إليهم من المماليك الأخرى والدنانير قيصرية من قبل الروم مصورة وأن عمر ضرب الدراهم على نقش الكسروية وشكلها وبأعيانها وضرب معاوية دنانير عليها تمثال متقلداً سيفاً.
ورأينا زيد بن خالد الصحابي استعمل الستر الذي فيه صور ولم ينكر الناس عمله.
قال صديقنا السيد محمد رشيد رضا في المنار: ومن الآثار في حكم التصوير وصنع الصور والتماثيل اتخاذ أحد أعاظم أئمة التابعين القاسم بن محمد ابن أبي بكر رض الحجلة التي فيها تصاوير القندس والعنقاء، وهو ربيب عمته عائشة الصديقة وأعلم الناس بحديثها وفقهها، ومنها استعمال يسار بن نمير مولى عمر بن الخطاب رض وخازنه الصور في داره، ومنها صنع الصور في دار مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وكل منهما وَليَ إمارة المدينة وكانا من التابعين قال: وعمل مروان يدل على أن التصوير كان مستعملاً في عصر الصحابة، فمن عرض مسألة التصوير واتخاذ الصور على هذه القواعد الشرعية علم منها أن دين الفطرة الذي قرن كتابه ووصف بالحكمة، ورفع منه الحرج والعسر عن الأمة، لم يكن ليحرم صناعة نافعة في كثير من العلوم والأعمال ويحتاج إليها في حفظ الأمن وفنون القتال، وإنما يجرم ما فيه مفسدة أو ما كان ذريعة إلى مفسدة اه.
ويعجبني ما كتبه أُستاذنا الإمام الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية في وصف رحلته إلى صقلية عام ١٣٢٢هـ ١٨٩٤م في مجلة المنار وقد ذكر تنافس الغربيين في حفظ الصور المرسومة على الورق والنسيج فقال: إذا كنت تدري السبب في حفظ سلفك للشعر وضبطه في دواوين والمبالغة في تحريره خصوصاً شعر الجاهلية، وما عُني الأوائل رحمهم الله بجمعه وترتيبه، أمكنك أن تعرف السبب في محافظة القوم على هذه المطبوعات من الرسوم والتماثيل، فإن الرسم