للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأصل من بناء العرب أو الأفرنج، المرجح أن هؤلاء طبعوها بطابعهم، وقالوا لم يخترع العرب أبنية خاصة بهم، بل تجلى في هندستهم حبهم للزخرف واللطف واخترعوا القوس المقنطر ورسم البيكارين، وكان تفننهم في هندسة القباب والسقوف والمعرشات من الأشجار والأزهار، مما جعل لجوامعهم وقصورهم بهجة لا يبلى على الدهر جديدها، ودلت كل الدلالة على إيغالهم في حب النقوش والزينة، كأن أبنيتهم ومصانعهم ثوب من ثياب الشرق تفنن حائكه في رقشه ونقشه.

نعم إن العرب لم يخترعوا ولكنهم اقتبسوا بادئ بدء، فإن ابن الزبير لما عمر الكعبة دعا إليها بنائين من الفرس والروم، والوليد لما بنى أُمويّ دمشق وأقصى القدس دعا إليهما بنائين من الفرس والروم والهند. ولا جرم فقد برع مهندسو العرب في هذه الديار في علم عقود الأبنية وهي ما يتعرف منه أحوال أوضاع

الأبنية وكيفية شق الأنهار وتقنية القنيّ وسد البثوق وتنضيد الساكن. ولو لم يبرعوا في كيفية إيجاد الآلات الثقيلة الرافعة لنقل الثقل العظيم بالقوة اليسيرة لما تمكنوا من عمارة المدن والقلاع والأسوار والمنازل والجوامع والمدارس هذا التمكن الذي يبهرنا اليوم أثره.

ومالت الهندسة الشامية إلى السذاجة لأول انتشار النصرانية، فكانوا يجتنبون كل زينة زائدة لتؤثر بمتانة البناء المعمول بالحجارة الضخمة، وجمال الحجم وترتيب الأجسام. ونشأت بين القرن الرابع والسادس للميلاد هندسة متينة تختلف عن الهندسات الأخرى، منها بعض أمثلة في الشام العليا وحوران. ويقول جلابرت: إنه كان لأهالي الشام الوسطى هندسة قائمة بذاتها مباينة لفن البناء الذي أشاعه الرومان في الشام، وهو بناء قديم يدعى بالطراز الشامي لا أثر فيه للطرق الرومانية والشرقية المحضة في البناء، وعلاقته ظاهرة بالهندسة اليونانية الشائعة في إنطاكية، وقد نشأ عنه طرز مركب شاع في القرون الأخيرة، وطرق البناء في حوران تختلف عن الهندسة الشمالية فتألف طرز وطني مباين للطرز اليوناني الذي أدخله السلوقيون.

ومن أهم أبنية القرون الوسطى وتدل على ذوق جميل في البناء، المدارس الكبرى في حلب ودمشق والقدس وغيرها من البلدان، والقليل الباقي منها إلى الآن شاهد على وجه الأيام بما صار للمهندس الشامي من حسن الذوق، ومنها

<<  <  ج: ص:  >  >>