للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يسقي العاصي بواسطته وما اخترع له من النواعير، جميع الأرض العالية في وادي نهر المقلوب كما كانت العرب تسمي العاصي. ولا تزال إلى الآن آثار السدود والقني في غور الفارعة بادية للعيان، تدل على أن القدماء كانوا ينتفعون من مياه نهر الأردن أكثر منا اليوم. ويقول صديقنا الأمير شكيب أرسلان: إن الأراضي التي لها حظ من الشرب في هذه الغيران جمع غور إنما تسقى من أودية جارية من الجبال مثل سيل الزرقاء، والسائل من جهة عجلون إلى الغرب، ومثل مياه بَيسان المنحدرة من صوب مرج بني عامر إلى الشرق، ومثل ماء الفارعة النازل من الغرب إلى الشرق، ومثل عين السلطان التي تسقي جنان أريحا، ومثل غور نمرين المنحدر من وادي شعيب أسفل الصلت إلى الغرب وماء حسبان وغيرها من المياه، وهذه الجداول كلها لو اجتمعت ما ساوت معشار الأردن الذي أصبح عاطلاً من كل عمل اه.

وحالة الإرواء في أكثر الأنحاء البعيدة ما زالت على الفطرة القديمة، فالقريب من الماء يروي أرضه أو بستانه بالقربة أو المدار كأهل الزور وجزيرة ابن عمر في أقصى الشام، فإن هذه الأنحاء في وسط المياه كالفرات والخابور وغيرهما من كبار الأنهار وقلما تستفيد منه، وقد خربت السدود القديمة ولم يعمل غيرها، ذلك لأن الأنهار الكبيرة ولا سيما الفرات قد تتحول عن مجراها في معظم السنين لأنها خالية من الجوانب المتينة المحددة، وهي في أرض رخوة خبار، فإذا فاضت طغت على الأرض اللينة.

وكان نهر بردى ونهر الأعوج يستفاد منهما أكثر من جميع الأنهار التي تعطش الأرض التي حَفافيها، وهي من مجراه على قيد أشبار، أو يترك للبحر يصب فيه

على هينته وهواه، كنهر عفرين والأسود وقاديشا والأولي والأزرق والعوجا وإبراهيم والمقطع والقاسمية وغيرها. وكم في هذه الديار من آثار قنوات عجيبة مثل قناة بسيمة في سَنير، وربما كان ماء عين الفيجة يسيل منها إلى بلد بعيد كما هو المأثور، ومثل قناة مَنين التي جرها المأمون إلى معسكره في أعلى قاسيون بدمشق. وكم من قناة طمت بتهاون الفلاح فهلك مع أرضه عطشاً، لأن الحكومات قلما التفتت في الأدوار الأخيرة إلى العناية بأمرها، والأعمال

<<  <  ج: ص:  >  >>