للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالصلاح والتقى، فإن الذي يزرع الشوك لا يحصد العنب، أو كما قال الأول:

ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له … إياك إياك أن تبتل بالماء (١).

ويكون ذلك في الصغر ليسهل عليهم في الكبر وتتعوده أنفسهم ويسهل عليه


(١) هذا البيت للحلاج، والحلاج هو الحسين بن منصور الحلاج، ويكنى أبا مغيث. وقيل: أبا عبد الله، نشأ بواسط. وقيل بتستر، وخالط جماعة من الصوفية منهم سهل التستري والجنيد وأبو الحسن النوري وغيرهم. رحل إلى بلاد كثيرة، منها مكة وخراسان، والهند وتعلم السحر بها، وأقام أخيرًا ببغداد، وبها قتل (عام ٣٠٩ هـ) بسبب ما ثبت عنه بإقراره وبغير إقراره من الكفر والزندقة .. ادَّعى النبوة، ثم تَرَقَّى به الحال أن ادعى أنه هو الله، وكان يقول بالحلول والاتحاد، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أَنَا اللَّهُ. وَقَوْلِهِ: إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ. وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنَ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ» اهـ. مجموع الفتاوى (٢/ ٤٨٠).
وقال أيضًا: «وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ الْحَلاجَ بِخَيْرِ لا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلا مِنْ الْمَشَايِخِ؛ وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقِفُ فِيهِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَهُ». اهـ. مجموع الفتاوى (٢/ ٤٨٣).
للاستزادة يراجع: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (٨/ ١١٢ - ١٤١)، والمنتظم لابن الجوزي (١٣/ ٢٠١ - ٢٠٦)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (١٤/ ٣١٣ - ٣٥٤)، والبداية والنهاية لابن كثير (١١/ ١٣٢ - ١٤٤) قول بالحلول والاتحاد. أي: أن الله تعالى قد حَلَّ فيه، وصار هو والله شيئًا واحدًا. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

<<  <   >  >>