وعجَلة وخِفةٍ مع هواه، وطيشٍ وحِدَّة وجَشعٍ، فيصعُب عليه في كِبَره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له، فلو تحرَّز منها غاية التحرُّز، فضَحته ولا بدَّ يومًا ما؛ ولهذا تجد الكثير من الناس مُنحرفة أخلاقُهم، وذلك من قِبَل التربية التي نشأوا عليها، وكذلك يجب أن يتجنَّب الصبي -إذا عقَل- مجالسَ اللهو والباطل، والغناء وسماع الفُحش والبدع، ومنطق السوء، فإذا علِق بسمعه، عَسِر عليه مفارقته في الكِبَر، وعزَّ على وليِّه استنقاذُه منه، فتغيير العوائد من أصعب الأمور، يحتاج صاحبها إلى استجداد طبيعة ثانية، والخروج على حُكم الطبيعة المعتادة عَسِرٌ جدًّا.
وينبغي لوليِّه أن يُجنِّبه الأخذ من غيره غاية التجنُّب، فإنه متى اعتاد الأخذ، صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يُعطي، ويُعوِّده البذل والإعطاء، وإذا أراد الوليُّ أن يعطي أحدًا شيئًا، أعطاه إيَّاه على يده ليَذوق حلاوة الإعطاء!
ويُجنِّبه الكذب والخيانة أعظم مما يُجنِّبه السُّمَّ الناقع؛ فإنه متى سهَّلَ له سبيلَ الكذب والخيانة، أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحرَمه كلَّ خيرٍ.
ويُجنِّبه الكسل والبطالة، والدَّعة والراحة؛ بل يأخذه بأضدادها، ولا يُريحه إلا مما يُجِمُّ نفسه وبدنه للشغل؛ فإن للكسل والبطالة عواقبَ سوءٍ ومَغبَّة ندمٍ، وللجد والتعب عواقب حميدة؛ إما في الدنيا، وإما في العُقبى، وإما فيهما، فأروحُ الناس أتعبُ الناس، وأتعبُ الناس أروح الناس؛ فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى، لا يُوصَل إليهما إلا على جِسرٍ من التعب، ويُعوِّده الانتباه آخر الليل؛ فإنه وقت قَسْم الغنائم وتفريق الجوائز، فمستقلٌّ، ومستكثر، ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيرًا، سهُل عليه كبيرًا» (١).