للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أن ذلك كله راجع بعد توفيق الله لما حباه الله لهذا المربي الحكيم من الحكمة التي زكاه به ومدحه بها في كتابه الكريم، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: ١٢].

يقول ابن رجب الحنبلي: «المواعظ سياط تضرب القلوب فتؤثر في القلوب كتأثير السياط في البدن، والضرب لا يؤثر بعد انقضائه كتأثير في حال وجوده؛ لكن يبقى أثر التأليم بحسب قوته وضعفه - فكلما قوي الضرب كانت مدة بقاء الألم أكثر» (١).

قال البقاعي: «وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ تَوْفِيَةِ حَقِّ الْحَقِّ تَصْحِيحَ الِاعْتِقَادِ وَإِصْلَاحَ الْعَمَلِ، وَكَانَ الْأَوَّلُ أَهَمَّ، قَدَّمَهُ فَقَالَ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ} [لقمان: ١٣] أَيْ: [لَا] تُوقِعِ الشِّرْكَ لَا جَلْيًّا وَلَا خَفِيًّا، زَادَ ذَلِكَ بِإِبْرَازِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ الْمُوجِبِ لِاسْتِحْضَارِ جَمِيعِ صفاتِ الْجَلَالِ، تَحْقِيقًا لِمَزِيدِ الْإِشْفَاقِ. فَقَال: بِاللَّهِ، أَيِ: الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ الَّذِي لَا كُفُؤَ لَهُ، ثُمَّ عَلَّلَ هَذَا النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ} [لقمان: ١٣] أَيْ: بِنَوْعَيْهِ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، أَيْ: فَهُوَ ضِدُّ الْحِكْمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَظُلْمهُ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ جِدًّا، أَظْهَرُهَا أَنَّهُ تَسْوِيَةُ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إِلَّا الْعَدَمُ نِعْمَةً مِنْهُ أَصْلًا بِالْمَالِكِ الَّذِي لَهُ وُجُوبُ الْوُجُودِ، فَلَا خَيْرَ وَلَا نِعْمَةَ إِلَّا مِنْهُ، وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ لِقُرَيْشٍ وَكُلِّ سَامِعٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا، لِأَنَّهَا مِنْ أَبٍ حَكِيمٍ لِابْنٍ مَحْنُوٍّ عَلَيْهِ مَحْبُوبٍ، وَأَنَّ آبَاءَهُمْ لَوْ كَانُوا حُكَمَاءَ مَا فَعَلُوا إِلَّا ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا عَلَيْهِ مَدَارُ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ،


(١) لطائف المعارف (١٧).

<<  <   >  >>