للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولهذا كان على كل لبيب عاقل ناصح لنفسه أن يربأ بها عن علو الصوت لغير حاجة مرعية يرجو من ورائها أي مصلحة شرعية.

لذا يقول ابن زيد: «لو كان رفع الصوت هو خيرًا ما جعله للحمير» (١).

وقال ابن سعدي: «فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار، الذي قد علمت خسته وبلادته» (٢).

وعلو الصوت غالبًا ما يكون عند الخصومات، فالصوت المرتفع هنا من غير حاجة حجته داحضة واهية ومرفوضة، فالصخب وعلو الصوت لا يثبتان حقًا، والحجج الواضحات لا يثبتها صوت مرتفع فليس كل من علا صوته محقًّا، فالحق حق في نفسه، فالمحق من يثبت حقه بالحجة الدامغة والبرهان الساطع والدليل الواضح، وكذلك خفض الصوت لا يضيع حقًّا، ونفوس البشر بجبلتها تميل إلى الصوت المعتدل في هدوئه واتزانه وانضباطه، مع أن رفع صوت المتكلم فيه دلالة على عدم إجلال وتقدير المُخَاطَب، فكيف إذا كان علو الصوت مقرونًا بكلام خارج عن مدارج الأدب، أو عند مخاصمة لا يُتمسكُ فيها بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات، أو في بيت من بيوت الله تعالى لا تُرَاعَى حرمتُهُ ولا مكانتُهُ، أو بحضور من لهم مكانة سامية كالوالدين أو أهل العلم والفضل ومن في نحو مكانتهم، أو عند النوازل والمصائب التي يجب فيها التصبر وعدم التسخط على أقدار الله في خلقه؟! فلا شك في كون الخطب أعظمَ وأَجَلَّ.


(١) الطبري (جـ ٢٠) (ص ١٤٧).
(٢) تفسير السعدي (جـ ١) (ص ٦٤٨).

<<  <   >  >>