للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله تعالى أولًا ثم بمكارم الأخلاق مع عباده ثانيًا، ليختم له مواعظه بتلك الحلية التي يتزين بها في تعامله مع الناس، وإن حقيقة التأدب مع المخلوق إنما هو تأدب مع الخالق -سبحانه وتعالى-.

وهذا هو خلق النبي -صلى الله عليه وسلم-: فعن عبد الله الجدلي قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: «لم يكن فاحشًا، ولا متفحشًا، ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح» (١).

قال المباركفوري: «قوله: (ولا صخابًا) أي: صيّاحًا» (٢).

يقول السيوطي: «فعلى الإنسان ألَّا يبالغ في الجهر إلا لغرض صحيح، ومنه الأذان والإنذار من العدو، لأن رفع الصوت في مواطن القتال يفت في أعضاد العدو. والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه أن يكون الرجل خافض الصوت، ويكره أن يكون جهير الصوت، والمبالغة في الجهر تشوه الوجه، وتذهب بهاؤه، وتركه أوفر للمتكلم، وأبسط لنفس السامع وفهمه» (٣).

قوله تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩] عن الضحاك: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} قال: إن أقبح الأصوات {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

عن قتادة قال: «{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩] أي: أقبح الأصوات لصوت الحمير، أوله زفير، وآخره شهيق، أمره بالاقتصاد في


(١) أخرجه الترمذي (٢٠١٦)، وصححه الألباني في الشمائل (٢٩٨).
(٢) تحفة الأحوذي (جـ ٥) (ص ٢٦٨).
(٣) الدر المنثور (جـ ٨) (ص ٢٧٤).

<<  <   >  >>