للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن حقائق الصوم ترك ما جبلت عليه النفوس وألفته الطباع من حظوظ النَّفس ومشتهياتها لله -عز وجل-، مع قدرة العبد على ذلك.

وهذا دليل على تمام صدق العبد و كمال إخلاصه لله تعالى، وذلك لعلمه باطلاع ربه عليه ومراقبته له في خلواته وجلواته، فأطاع الله تعالى واستجاب لداعي الإيمان رغبة فيما عند الله من جزيل الثواب، ورهبة فيما عنده من أليم العقاب، ذلك لأن الصِّيام من العبادات الَّتي تسمو بنفس المسلم إلى مرتبة الإيمان ثم ترتقي به إلى درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين.

- يقول ابن عاشور {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)} [البقرة: ١٨٣]: «بيان لحكمة الصيام وما لأجله شرع» (١).

والصيام يقوي إرادة المؤمن ويقرب قلبه من بارئه سبحانه، ويقوي صلته بربه جل في علاه، ويشحذ من عزيمته ويحث على التراحم والود وحسن الصلة بين الصائم وإخوانه المؤمنين، كل ذلك لما له من آثار طيِّبة تربوية وإيمانية وأخلاقية وسلوكية على الفرد المسلم والجماعة المسلمة على حدٍّ سواء مع ما فيه من الترغيب في مجاهدة النفس وكبح لجماحها عن شهواتها، وتزكية لها من أدرانها، وتصفية لها وتنقية لما علق بها من شوائب، مع ما يرغب فيه من الحثّ على اكتساب الفضائل، واجتناب الغوائل والرذائل، ولذا كان من ثمار الصيام وأثره على النفس ما يجده المؤمن من رقة في قلبه وصلاحٍ في نفسه وتهذيبٍ لسمعه وبصره ومنطقه ولفظه وفعله، وتربية نفسه على مراقبة الله وخشيته في علانيته وسره، والمداومة على محاسبة نفسه، وتهذيبٍ لجميع جوارحه، لم لا؟


(١) ابن عاشور (٢/ ١٥٧).

<<  <   >  >>