فإن الله عز وجل أراد بهذه الأمة خيرًا حين قيَّض لها أئمة هداة صالحين، جعلوا نصب أعينهم قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". وقد لقى الفقه الْإِسْلَامى من عناية هؤلاء النفر من العلماء وحرصهم ودأبهم وإخلاصهم ما يسر الله به لكل ذي حاجة طلبها ولكل ذي مسألة جوابها. وكان من ذلك نقل الصحابة رضى الله عنهم أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والعمل بمدلول ألفاظها وما تقتضيه، فكانوا أئمة هداة، ونقلت أقوالهم وفتاويهم وحفظت عن طريق أتباعهم وتلاميذهم، فحفظوا أقوالهم وأفتوا، لأنهم خير من فهم عن رب العزة وعن نبيه - صلى الله عليه وسلم - وصارت فتاويهم وأقوالهم نبراسًا لمن بعدهم من التلاميذ والاتباع، فتوارث الأتباع جهد المتبوعين وعلمهم، ثم توارث أتباع الأتباع علم الأتباع وأقوالهم التي خرجت من المشكاة الأولى فحفظوها وتداولوها إلى أن وصل علمهم أئمة فقهاء جهابذة ناصرين للسنة وقامعين للبدعة، وهؤلاء هم الإمام أبو حَنِيفَةَ رحمه الله، والإمام مالك رحمه الله، والإمام العلم القدوة الشَّافِعِيّ رحمه الله،