معادا، انتهى. وهو يقتضي أنه لا يتعمد أن يخرج في كتابه حديثا معادا بجميع إسناده ومتنه، وإن كان قد وقع له من ذلك شيء، فعن غير قصد، وهو قليل جدا سأنبه على مواضعه من الشرح، حيث أصل إليها إن شاء الله تعالى.
وأما اقتصاره على بعض المتن ثم لا يذكر الباقي في موضع آخر، فإنه لا يقع له ذلك في الغالب إلا حيث يكون المحذوف موقوفا على الصحابي، وفيه شيء قد يحكم برفعه فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع ويحذف الباقي، لأنه لا تعلق له بموضوع كتابه، كما وقع له في حديث هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون، هكذا أورده، وهو مختصر من حديث موقوف أوله: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات وترك مالا، ولم يدع وارثا. فقال عبد الله: إن أهل الإسلام لا يسيبون، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون، فأنت ولي نعمته، فلك ميراثه، فإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله منك ونجعله في بيت المال، فاقتصر البخاري على ما يعطي حكم الرفع من هذا الحديث الموقوف، وهو قوله: إن أهل الإسلام لا يسيبون، لأنه يستدعي بعمومه النقل عن صاحب الشرع لذلك الحكم، واختصر الباقي لأنه ليس من موضوع كتابه، وهذا من أخفى المواضع التي وقعت له من هذا الجنس، وإذا تقرر ذلك اتضح أنه لا يعيد إلا لفائدة، حتى لو لم تظهر لإعادته فائدة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن لكان ذلك لإعادته لأجل مغايرة الحكم التي تشتمل عليه الترجمة الثانية موجبا لئلا يعد مكررا بلا فائدة، كيف وهو لا يخليه مع ذلك من فائدة إسنادية، وهي إخراجه للإسناد عن شيخ غير الشيخ الماضي، أو غير ذلك على ما سبق تفصيله، وهذا بين لمن استقرأ كتابه وأنصف من نفسه، والله الموفق لا إله غيره.