قد علق البخاري حديث إبراهيم بن طهمان في التفسير فلم يهمل حكاية الخلاف فيه، ولكن أعله الإسماعيلي من وجه آخر، فقال بعد أن أورده: هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما بأبيه خزيا له مع خبره بأن الله قد وعده أن لا يخزيه يوم يبعثون، وعلمه بأنه لا خلف لوعده انتهى، وسيأتي جواب ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه.
(الحديث الخمسون): قال الدارقطني: أخرج البخاري حديث يحيى القطان عن عبيد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قيل: يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم. . الحديث. ووافقه مسلم على إخراجه، وقد خالفه فيه جماعة منهم أبو أسامة، وعبد الله بن نمير ومعتمر بن سليمان وآخرون قالوا: عن عبيد الله بن سعيد عن أبي هريرة، لم يقولوا عن أبيه. قلت: قد أخرج البخاري حديث معتمر، وأبي أسامة وغيرهما، فهو عنده على الاحتمال، ولم يهمل حكاية الخلاف فيه.
(الحديث الحادي والخمسون): قال أبو علي الجياني: أخرج البخاري عن أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس عن النبي ﷺ قصة زمزم، قال: وقد تعقبه أبو مسعود الدمشقي بأن قال: اختلفوا في هذا الإسناد على وهب بن جرير، كأنه يغمز البخاري، إذ أخرجه في الصحيح، قال أبو علي: رواه حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير مثله سواء، لكن قال عن ابن عباس عن أبي بن كعب زاد فيه أبيا، وأسنده من رواية أبي علي ابن السكن عن البغوي عن حجاج به، وعن محمد بن بدر الباهلي عن محمد بن أحمد بن نيزك عن وهب بن جرير مثله، لكن قال عن أيوب عن سعيد بن جبير فأسقط عبد الله بن سعيد، وكذا رواه علي بن المديني عن وهب بن جرير، ورواه النسائي في السنن من طريقه عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري مثل ذلك، وقال في آخر حديث ابن المديني قال وهب، وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد عن أبيه نحوه، ولم يذكر أبيا، فتبين بهذا أن وهب بن جرير كان إذا رواه عن أبيه أسقط عبد الله بن سعيد بن جبير، وأثبت أبي بن كعب، وإذا رواه عن حماد بن زيد أسقط أبي بن كعب، وأثبت عبد الله بن سعيد بن جبير، فبان أن رواية البخاري فيها إدراج يسير، وفي الإسناد اختلاف آخر، فإن في آخره عند النسائي أيضا قال وهب بن جرير: فأتيت سلام بن أبي مطيع فحدثته بهذا عن حماد فأنكره إنكارا شديدا، ثم قال لي: فأبوك ما يقول؟ قلت: يقول عن أيوب عن سعيد بن جبير، فقال: قد غلط، إنما هو أيوب عن عكرمة بن خالد انتهى، ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب قال: نبئت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ولم يذكر أبي بن كعب، قال أبو علي الجياني: هذا الاختلاف إذا تأمله المتبحر في الصنعة علم أنه يعود إلى وفاق، وأنه لا يدفع بعضه بعضا وحكم بصحته، ثم بين طريق الجمع بين هذه الروايات، والله الموفق.
(الحديث الثاني والخمسون): قال أبو علي الجياني: قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا إسرائيل، حدثنا عثمان بن المغيرة عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال النبي ﷺ: رأيت موسى وعيسى وإبراهيم ﵈. . الحديث. قال: والمحفوظ فيه عن مجاهد عن ابن عباس، قال أبو مسعود: أخطأ البخاري في قوله عن ابن عمر، وإنما رواه محمد بن كثير عن إسرائيل بهذا الإسناد عن ابن عباس وكذلك رواه إسحاق بن منصور السلولي ويحيى بن آدم، وابن