ذكر
رجوعه إلى بخارى وما وقع بينه وبين أميرها، وما اتصل بذلك من وفاته
قال أحمد بن منصور الشيرازي: لما رجع أبو عبد الله البخاري إلى بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد، واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق مذكور، ونثر عليه الدراهم والدنانير، فبقي مدة، ثم وقع بينه وبين الأمير، فأمره بالخروج من بخارى، فخرج إلى بيكند.
وقال غنجار في تاريخه: سمعت أحمد بن محمد ابن عمر يقول: سمعت بكر بن منير يقول: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل، أن أحمل إليّ كتاب الجامع والتاريخ لأسمع منك. فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: قل له: إني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضرني في مسجدي أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس؛ ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أني لا أكتم العلم. قال: فكان سبب الوحشة بينهما.
وقال الحاكم: سمعت محمد بن العباس الضبي يقول: سمعت أبا بكر بن أبي عمرو يقول: كان سبب مفارقة أبي عبد الله البخاري البلد أن خالد بن أحمد خليفة بن طاهر سأله أن يحضر منزله، فيقرأ التاريخ، والجامع على أولاده فامتنع من ذلك، وقال: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم آخرين، فاستعان خالد بحريث بن أبي الورقاء وغيره من أهل بخارى حتى تكلموا في مذهبه، فنفاه عن البلد قال: فدعا عليهم فقال: اللهم أرهم ما قصدوني به في أنفسهم وأولادهم وأهاليهم.
قال: فأما خالد، فلم يأت عليه إلا أقل من شهر حتى ورد أمر الظاهرية بأن ينادى عليه، فنودي عليه، وهو على أتان وأشخص على أكاف، ثم صار عاقبة أمره إلى الذل والحبس.
وأما حريث بن أبي الورقاء فإنه ابتلي في أهله، فرأى فيها ما يجل عن الوصف.
وأما فلان، فإنه ابتلي في أولاده، فأراه الله فيهم البلايا.
وقال ابن عدي: سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار يقول: خرج البخاري إلى خَرْتنك قرية من قرى سمرقند، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم. قال: فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يقول في دعائه: اللهم قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك. قال: فما تم الشهر حتى قبضه الله.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت غالب بن جبريل، وهو الذي نزل عليه البخاري بخرتنك يقول: إنه أقام أياما، فمرض حتى وجه إليه رسول من أهل سمرقند يلتمسون منه الخروج إليهم، فأجاب، وتهيأ للركوب، ولبس خفيه وتعمم، فلما مشى قدر عشرين خطوة، أو نحوها إلى الدابة ليركبها، وأنا آخذ بعضده قال: أرسلوني، فقد ضعفت، فأرسلناه فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى. ثم سال منه عرق كثير، وكان قد قال لنا: كفنوني في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. قال: ففعلنا، فلما أدرجناه في أكفانه وصلينا عليه، ووضعناه في حفرته، فاح من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك، ودامت أياما، وجعل الناس يختلفون إلى القبر أيامًا، يأخذون من ترابه إلى أن جعلنا عليه خشبًا مشبكًا.
وقال الخطيب: أخبرنا علي بن أبي حامد في كتابه، أخبرنا محمد بن محمد بن مكي، سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول: رأيت النبي ﷺ في النوم، ومعه جماعة من أصحابه، وهو واقف في موضع، فسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: ما وقوفك هنا يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل. قال: فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرت فإذا هو قد مات في الساعة التي رأيت فيها النبي ﷺ.
وقال مهيب بن سليم: كان ذلك ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، وكذلك قال الحسن بن الحسين البزار في تاريخ وفاته، وفيها أرخه أبو الحسين بن قانع، وأبو الحسين بن المنادي، وأبو سليمان بن زبر وآخرون.
قال الحسن: وكانت مدة عمره اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما، تغمده الله برحمته آمين.