للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا شاذ، وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكرا، وهذا ليس في الصحيح منه إلا نزر يسير، قد بين في الفصل الذي قبله بحمد الله تعالى.

وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري لما علم من شرطه، ومع ذلك فحكم من ذكر من رجاله بتدليس أو إرسال أن تسبر أحاديثهم الموجودة عنده بالعنعنة، فإن وجد التصريح بالسماع فيها، اندفع الاعتراض وإلا فلا، وأما البدعة فالموصوف بها إما أن يكون ممن يكفر بها أو يفسق، فالمكفر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقا عليه من قواعد جميع الأئمة، كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره، أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة، أو غير ذلك، وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء البتة، والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا، لكنه مستند إلى تأويل ظاهرة سائغ، فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله، إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب، مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة، موصوفا بالديانة والعبادة، فقيل: يقبل مطلقا، وقيل: يرد مطلقا، والثالث: التفصيل بين أن يكون داعية أو غير داعية، فيقبل غير الداعية ويرد حديث الداعية، وهذا المذهب هو الأعدل وصارت إليه طوائف من الأئمة، وادعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر، ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم زاده تفصيلا فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل، وإن لم تشتمل فتقبل، وطرد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية فقال: إن اشتملت روايته على ما يرد بدعته قبل، وإلا فلا، وعلى هذا اشتملت رواية المبتدع سواء كان داعية أم لم يكن على ما لا تعلق له ببدعته أصلا، هل ترد مطلقا أو تقبل مطلقا؟ مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل آخر فيه، فقال: إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه، هو إخماد لبدعته وإطفاء لناره، وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده، مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب، واشتهاره بالدين، وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته - فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته، والله أعلم.

واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد، فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق، وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم لذلك، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط، والله الموفق.

وأبعد ذلك كله من الاعتبار تضعيف من ضعف بعض الرواة بأمر يكون الحمل فيه على غيره، أو للتجامل بين الأقران، وأشد من ذلك تضعيف من ضعف من هو أوثق منه، أو أعلى قدرا، أو أعرف بالحديث، فكل هذا لا يعتبر به، وقد عقدت فصلا مستقلا سردت فيه أسماءهم في آخر هذا الفصل بعون الله، وإذ تقرر جميع ذلك فنعود إلى سرد أسماء من طعن فيه من رجال البخاري، مع حكاية ذلك الطعن والتنقيب عن سببه، والقيام بجوابه، والتنبيه على وجه رده على النعت الذي أسلفناه في الأحاديث المعللة بعون الله تعالى وتوفيقه.

حرف الألف.

(خ ت ق) أحمد بن بشير الكوفي أبو بكر، مولى عمرو بن حريث المخزومي.

قال النسائي: ليس بذلك القوي، وقال عثمان الدارمي: متروك. وقواه ابن معين وأبو زرعة وغيرهما، أخرج له البخاري حديثا واحدا تابعه

<<  <   >  >>